قبيلة بني ياس.. من عمق الصحراء إلى قلب الاتحاد
أسماء صبحي – تعد قبيلة بني ياس واحدة من أهم وأعرق القبائل العربية التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الخليج العربي، وخاصة في الإمارات العربية المتحدة، حيث ارتبط اسمها بنشأة الدولة وتطورها الحديث.
من رحم هذه القبيلة خرجت أبرز الأسر الحاكمة في الإمارات، مثل آل نهيان في أبوظبي وآل مكتوم في دبي، ما جعلها ليست مجرد تجمع قبلي، بل كيانًا شكّل أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة على مدار قرون طويلة.
جذور قبيلة بني ياس
تنتمي القبيلة إلى القبائل القحطانية التي تعود أصولها إلى جنوب الجزيرة العربية، قبل أن تستقر في مناطق الساحل الغربي للخليج. وكانت واحة ليوا في منطقة الظفرة هي الموطن الأول لبني ياس حيث عاشوا حياة البادية القائمة على الرعي والزراعة. ثم توسعت فروعهم تدريجيًا إلى المناطق الساحلية، مثل أبوظبي ودبي والشارقة.
أظهرت القبيلة قدرة لافتة على التكيّف مع طبيعة الحياة القاسية في الصحراء، واستطاعت أن تحافظ على تماسكها رغم التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة، وهو ما جعلها من أكثر القبائل استقرارًا في شبه الجزيرة العربية.
بني ياس وتحالف القبائل
تميزت بني ياس بقدرتها على بناء تحالفات قوية مع القبائل المجاورة، فيما عرف تاريخيًا باسم تحالف بني ياس، الذي ضم عددًا من القبائل والعشائر تحت قيادة واحدة بهدف حماية المصالح المشتركة ومواجهة الأخطار الخارجية.
وقد منح هذا التحالف القبيلة نفوذًا واسعًا امتد من الصحراء الداخلية إلى السواحل. مما جعلها قوة سياسية واقتصادية يصعب تجاوزها في تلك الحقبة. وكان التحالف يتميز بقدر من الانضباط والولاء للزعيم العام للقبيلة، وهو ما مكّن بني ياس من السيطرة على خطوط التجارة البرية والبحرية في المنطقة.
من ليوا إلى أبوظبي
في أواخر القرن الثامن عشر، انتقل الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان من واحة ليوا إلى جزيرة أبوظبي بعد اكتشاف موارد المياه العذبة هناك.
وكانت هذه الخطوة بداية تحول جذري في تاريخ القبيلة، إذ تحولت أبوظبي من منطقة نائية إلى مركز تجاري وسياسي مزدهر. وباتت قاعدة نفوذ آل نهيان الذين قادوا بني ياس نحو مرحلة جديدة من الوحدة والاستقرار.
لاحقًا، أسس فرع آل بوفلاسة من بني ياس إمارة دبي بقيادة الشيخ مكتوم بن بطي آل مكتوم. مما جعل القبيلة العمود الفقري لتاريخ الإمارات، حيث نشأت من رحمها إمارتان من أهم الإمارات السبع.
الدور الاقتصادي والاجتماعي
اشتهرت بني ياس بقدرتها على استغلال الموارد الطبيعية المتاحة في بيئتها الصحراوية والبحرية. وفي الداخل، عمل أبناؤها في الزراعة ورعي الإبل، أما في السواحل فبرزوا في صيد اللؤلؤ والتجارة البحرية. وكانت موانئ أبوظبي ودبي بمثابة شريان اقتصادي حيوي يربط بين الخليج والهند وشرق إفريقيا. وأسهمت القبيلة في تأمين القوافل البحرية وحماية طرق التجارة.
ومع مرور الزمن، تطور دور بني ياس من الاعتماد على البحر والصحراء إلى المشاركة في بناء الاقتصاد الحديث خاصة بعد اكتشاف النفط في منتصف القرن العشرين. حيث قاد أبناؤها نهضة اقتصادية شاملة غيّرت وجه الإمارات إلى الأبد.
القيادة السياسية ودور القبيلة في الاتحاد
برزت بني ياس كقوة قيادية في مرحلة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971. فمن رحمها خرج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة، الذي اعتمد على قيم القبيلة في بناء الوحدة الوطنية. كما كان للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أحد أبناء بني ياس، دور محوري في دعم قيام الاتحاد وتعزيز التعاون بين الإمارات السبع.
بهذه القيادة الحكيمة، تحولت روح التضامن القبلي إلى أساس للوحدة الوطنية. مما جعل بني ياس نموذجًا فريدًا في الانتقال من القبيلة إلى الدولة.
الثقافة والتراث
تحافظ قبيلة بني ياس على إرث ثقافي غني يعكس هويتها الصحراوية الأصيلة. فالقيم التي تتوارثها الأجيال مثل الكرم، والشجاعة، والنجدة، والوفاء بالعهود لا تزال حاضرة في سلوك أبنائها حتى اليوم.
كما لعب شعراء القبيلة دورًا مهمًا في توثيق تاريخها من خلال القصائد النبطية التي خلدت مآثر القادة والفرسان.
وتعتبر مهرجانات ليوا التراثية امتدادًا مباشرًا لثقافة بني ياس القديمة، إذ تجتمع العائلات من مختلف مناطق الإمارات لإحياء الفروسية والصيد بالصقور وسباقات الهجن، في مشهد يرمز إلى استمرار روح القبيلة عبر الزمن.



