تاريخ ومزارات
الثاني عشر من مارس سنة 1919
في الثاني عشر من مارس سنة 1919 في مدرسة طب قصر العيني بالقاهرة كان جميع الطلبة مضربين عن الدراسة , جميعهم مشاركين في المظاهرات عاقدين العزم علي الاستمرار في الثورة حتي يحققوا كافة مطالبهم الا ذاك الطالب الذي يدعي أحمد عبد الحي كيره , فقد داوم علي الذهاب لمدرسته حتي في أحلك لحظات الثورة و زملائه يتساقطون واحدا تلو الآخر في الميادين .
و بالرغم من أن جده كان قد أُعدم جزاءا لمشاركته في معركة التل الكبير مع أحمد عرابي الا أن أحمد كان غير مهتم بالشأن السياسي , كاره للوطنية , محب للاحتلال !
كان زملاؤه يستهدفونه بالآذى والإذلال والإحتقار والضرب ويقولون هذا إبن اللنبى ” المعتمد البريطانى “، وكان مدير مدرسة الطب ” الدكتور كيتنج ” يراه إبن الإمبراطورية البريطانية وكان لا يفتح أبوابه إلا لعبد الحى كيره ، وأصدر أمرا أن يفعل عبد الحى ما يشاء وأن يتنقل بين غرفات الدرس والمعامل كما يشاء ، وفى أى وقت يشاء .
والحقيقة أن أحمد استطاع تمثيل الدور ببراعة فائقة الي حد بعيد حتي علي أقرب المقربين اليه , استطاع احمد عبد الحى ان يدخل معامل المدرسة ويأخذ منها مواد تدخل في تركيب المتفجرات في أنابيب خاصة ويسلمها إلى اللجنة المختصة بصنع القنابل التى كان يشرف عليها الطالب أحمد ماهر ” رئيس وزراء مصر 1944 : 1945 ” ، وظل الأمر كذلك حتى اكتشف امره في اعترافات قتلة السير لي ستاك سردار الجيش المصري و حاكم السودان عام 1924 ، وبدأت المخابرات البريطانية ملاحقته واصبح واحداً من أهم المطلوبين لديها، حتي انها اصدرت منشوراً لجميع مكاتبها في العالم تقول فيه «اقبضوا عليه حيا او ميتا، اسمه احمد عبدالحي كيرة ، نجح في خداعنا , كيميائي كان طالباً في مدرسة الطب ، خطير في الاغتيالات السياسية، قمحي، قصير القامة وذو شارب خفيف وعمره 28 عاماً» .
وقتها اضطرت قيادات الجهاز السري للثورة ان تقوم بتهريب الفدائى كيره بجواز سفر مزور إلى ليبيا ومنها الي اسطنبول وظل سنوات طويلة مطاردا، وقد قابله هناك الاديب يحيى حقي عام 1930 والذي كان يعمل موظفاً بالقنصلية المصرية في اسطنبول وكتب عنه «بعبع الانجليز يبحثون عنه بعدان فتلوا له حبل المشنقة، كنت لا ألقاه الا صدفة وألح عليه ان نأكل معا فيعتذر قائلا: قريباً ان شاء الله، وظل هذا حالي معه اربع سنوات كلما ادعوه يعتذر بأدب، وقد رأيت فيه المثل الفذ للرجل الشريد المطارد ، يمشي على عجل ويحذر كأنه يحاول ان يفلت من جاسوس يتبعه، ويخلو كلامه من أي عاطفة، فلا تدري ان كان متعباً ام غير متعب.. جيبه نظيف أم دافئ، معدته خاوية أم عامرة؟» ، وكتب أيضا: «حاولت ان أعرف أين يسكن فلم أنجح وقيل لي انه يسكن في ثلاث شقق كل منها في حي بعيد عن الآخر ولا ينام في فراش واحد ليلتين، إنه يعلم أن المخابرات البريطانية لن تكف عن طلبه حتي لو فر إلى أقصى الارض، انها لا تنسى ثأرها البائت».
بعد توقيع معاهدة 36 سافر إلى تركيا ثلاثة من عملاء الإنجليز في مصر .. ثلاثة من القلم السياسى هم ” جريفز ، ماركو ، اسكندر بورجوزافو ” ، واستطاعوا إستدراج عبد الحى إلى إحدى ضواحى إسطنبول واغتالوا البطل ثم مثلوا بجثته وفروا عائدين إلى مصر.. عاد ثلاثتهم مزهوين بأنهم قتلوه ، ويقولون ” لقد ثأرنا لأروح جنودنا التى أزهقت في مصر .. لقد أدينا الواجب ” ..أما جثمان البطل فقد ظل في العراء نهبا للبوم والغربان حتى كشف عنه البوليس التركي .
الصورة لمدرعات الجيش البريطاني تمشط منطقة روض الفرج بالقاهرة سنة 1924 بحثا عن احمد عبد الحي كيره و رفاقه بعد اغتيالهم للسير لي ستاك سردار الجيش المصري و حاكم السودان .