“المحمر”.. طبق بدوي أصيل يروي حكاية النكهة والتراث في الخليج
أسماء صبحي – في عمق الموروث الخليجي، تبرز الأكلات الشعبية كجزء لا يتجزأ من الهوية والثقافة المحلية. ومن بين هذه الأكلات يسطع اسم “المحمر” ذلك الطبق التراثي الذي جمع بين بساطة المكونات وثراء الطعم. ليصبح رمزًا من رموز المائدة الخليجية وخصوصًا في البيئات البدوية على سواحل الجزيرة العربية. ورغم تغير أنماط الحياة وظهور المأكولات الحديثة إلا أن “المحمر” ما زال حاضرًا في المناسبات والأعياد، كرسالة حية تربط الأجيال بجذورهم.
ما هو “المحمر”
المحمر طبق تقليدي يعتمد على الأرز المطهو مع دبس التمر أو السكر البني حتى يكتسب لونه البني المميز ومذاقه الحلو. وغالبًا ما يقدم مع السمك المقلي أو المشوي وأحيانًا مع اللحم. ليجمع بين المذاق الحلو والمالح في مزيج يعبر عن ذائقة البدو التي تميل إلى التنويع رغم محدودية الموارد.
وفي الماضي، كان إعداده يرتبط بمواسم معينة أبرزها مواسم صيد الأسماك أو مواسم التمر. إذ يجتمع البدو على هذا الطبق احتفالًا بالخير والرزق.
الجذور التاريخية للمحمر
ترجع أصول هذا الطبق إلى المجتمعات الساحلية البدوية في الخليج العربي خاصة في المنطقة الشرقية من السعودية والبحرين والكويت. فقد كان البدو الذين يعيشون بالقرب من السواحل يعتمدون على السمك كمصدر أساسي للبروتين بينما يوفر النخل التمر ودبسه كمصدر طبيعي للطاقة. ومن هذا التلاقي بين البحر والنخل وُلد المحمر.
ويؤكد المؤرخون أن هذا الطبق لم يكن مجرد وجبة غذائية بل كان انعكاسًا لأسلوب حياة متكامل. حيث يستغل البدو ما توافر لديهم من موارد طبيعية لإعداد طعام غني ومشبع.
طقوس إعداد المحمر
إعداد الطبق ليس مجرد عملية طبخ بل طقس اجتماعي بحد ذاته. وإذ تبدأ العملية بغلي الأرز الأبيض مع الماء حتى ينضج نصف نضج ثم يضاف إليه دبس التمر أو السكر البني مع السمن أو الزيت. ويترك على نار هادئة حتى يتشرب الأرز المزيج ويأخذ لونه البني.
بعدها يقدم المحمّر مع السمك المقلي أو المشوي وغالبًا يكون سمك “الكنعد” أو “السبيطي”. وهو ما يمنحه مذاقًا متوازنًا يجمع بين حلاوة الأرز ونكهة السمك المالحة.
الطبق في المناسبات
كان المحمّر طبقًا أساسيًا في الولائم والمناسبات الكبرى، مثل الأعراس والأعياد حيث يقدم بكميات كبيرة تكفي لتجمعات القبيلة. وكان يعتبر من رموز الكرم إذ يعكس حرص المضيف على تقديم وجبة غنية ومتنوعة لضيوفه.
حتى اليوم، لا يزال المحمر يحجز مكانه على موائد الأعياد في البحرين والمنطقة الشرقية والكويت. حيث يقدم كطبق رئيسي إلى جانب أطباق أخرى تراثية مثل الهريس والجريش.
دلالة ثقافية واجتماعية
يحمل طبق المحمّر دلالات تتجاوز كونه مجرد طعام. فهو يمثل:
- رمزًا للكرم البدوي: تقديم المحمر في المناسبات يعكس قدرة المضيف على الجمع بين الموارد المحلية لإعداد طبق فاخر.
- صلة بين البحر والصحراء: من خلال دمج السمك مع دبس التمر، يروي المحمر قصة انسجام الإنسان الخليجي مع بيئته الساحلية والصحراوية في آن واحد.
- ذاكرة الأجيال: تتوارث العائلات وصفة المحمر جيلاً بعد جيل. مما يجعله جزءًا من الهوية الغذائية التي تحافظ على التراث.



