حوارات و تقارير

البتراء: المدينة الوردية المنحوتة في قلب الصحراء

أسماء صبحي – في عمق الصحراء الأردنية، تتسلل أولى خيوط الفجر إلى ممر ضيق يعرف بـ”السيق”. ليكشف عن مدينة وردية بديعة منحوتة مباشرة من الصخور. وهذه العبقرية المعمارية هي البتراء واحدة من روائع العالم القديم وأيقونة التاريخ العربي. ولا تزال المدينة تحكي قصة حضارة ممتدة، محفورة في الحجر وراهنة في الذاكرة.

نشأة البتراء وأصل التسمية

أسسها الأنباط في القرن الرابع قبل الميلاد واشتهرت باسم “رقمو” قبل أن تعرف لاحقًا بالبتراء التي تعني “الصخر” باليونانية. وشيد الأنباط هذه المدينة كعاصمة لمملكتهم وحرصوا على دمج مهاراتهم مع ما في الطبيعة من صلابة تخدم حضورهم المعماري والتجاري في منطقة تعج بالحمّى الاقتصادية.

من أولى تطلعات الزائر، تبرز مباني البتراء مثل “الخزنة” و”الدير” عمق التقاء الفن والحجر. وهي محفورة من الأعلى إلى الأسفل تنضح بالزخرفة الهيلينية والنبطية وتتزين بأعمدة كورنثية وقواعد بارزة بديعة. وخلف هذه الواجهات البديعة توجد شبكة هيدرلية متقدمة. تشمل مصارف ومجاري مياه تدفق عبر السيق وآبار تخزينية مائية وضعتها إدارة المدينة لتستوعب حوالي 30,000 نسمة بفعالية فائقة.

ازدهار المدينة كمركز تجاري دولي

تموضعت البتراء على مفترق طرق التجارة بين الجزيرة العربية وسوريا ومصر وفينيقيا. وحولها الأنباط إلى ميناء بري يستقبل الحرير والعطور والتوابل عبر القوافل. جنيت المدينة ثروات هائلة سمحت بتمويل مشاريع بنيوية وفنية فذة مما منحها مركزًا إقليميًا لا ينافس.

مع ظهور طرق بحرية جديدة وسيطرة الرومان في القرن الأول الميلادي بدأت أهمية البتراء تتراجع. وأتى زلزال عام 363 ميلادي بأذى كبير، ثم تبعته هجرات وتحولات اجتماعية أدت إلى نسيانها حتى إعادة اكتشاف الأوروبيين لها عام 1812 على يد المستكشف السويسري يوهان بوركهارت. وفي عام 1985 أدرجت اليونسكو البتراء ضمن التراث العالمي، ومن ثم باتت من عجائب العالم الحديث.

وقال البروفيسور محمد الشوبكي، اختصاصي الآثار الأردنية بجامعة مؤتة: “البتراء ليست مجرد موقع أثري؛ إنها روح جماعية فارقت الأرض. وتبقى مرآة عظيمة تعكس براعة الأنباط في التكيف والإبداع. والحفاظ عليها يعني حفظ جذور حضارتنا وذاكرة إنسانيتنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى