قلعة نزوى: أيقونة التاريخ والمعمار العماني
أسماء صبحي – تقع قلعة نزوى في مدينة نزوى، عاصمة محافظة الداخلية في عمان، وتمثل أحد أبرز المعالم التاريخية في البلاد. بنيت خلال القرن السابع عشر، لكنها تحتضن تاريخًا أعمق يعود إلى القرن الثاني عشر، وتعد من أكثر الأماكن زيارةً في السلطنة.
تبقى القلعة شاهدًا على عصور من الصراعات، الحكم، الثقافة، والاقتصاد القبلي والعماني. وهو ما يجعلها شهادة مادية على قوة عمان وهويتها.
تاريخ قلعة نزوى والنشأة
أسس الإمام سلطان بن سيف اليعربي الثاني قلعة نزوى في خمسينيات القرن السابع عشر واستغرق بناؤها حوالي 12 سنة. ويعتمد البناء في الأصل على هيكل يعود للقرن الثاني عشر. لكن توسعات الحصن أعادت تعريفه كحصن دفاعي وإداري مركزي في منطقة نزوى. وتقع القلعة تقع فوق مجرى ماء جوفي، ما ضمن تأمين الماء أثناء الحصار.
لقد لعبت القلعة دورًا في حكم الأئمة والمشايخ خلال فترات السلم والحرب. وكمنطلق للإدارة العمانية وحماية طرق التجارة والمزارع المحيطة بنزوى.
التصميم المعماري والوظائف الدفاعية
يتميز البناء ببرج دائري يبلغ ارتفاعه نحو 30 مترًا وقطره الداخلي حوالي 36 مترًا. مما يضمن مراقبة شاملة للمنطقة المحيطة، مع جدران سميكة تصل إلى أربعة أمتار لتحمل قصف المدافع والاستعراضات العسكرية.
كما يستخدم في القلعة تصميم خانات للرصاص والأبراج الصغيرة. وتوجد فتحات تعرف باسم “murder holes” يصب منها الزيت المغلي أو شراب التمر على المقتحمين. كما وجد طابق تحت الأرض يحتوي على متاهات وسجون لتعقيد تقدم العدو.
ويوجد حوالي 480 فتحة إطلاق نار و120 موقعًا للمراقبة على قمة البرج. مما يضمن تغطية كاملة للقلعة أثناء الدفاع.
وتضم القلعة متاهة من الممرات، والساحات، وغرف الاجتماعات، والمخازن، ومكتبة، ومسجدًا صغيرًا ضمنها. وتعرض فيها لوحات حائطية، ونقوش خشبية، مما يحكي عن الحياة الإدارية والأكاديمية آنذاك.
دورها الثقافي والسياحي
القلعة اليوم ليست مجرد مبنى، بل هي منصة ثقافية تواجه زوارها بتاريخ وتراث عماني متجدد. وتقام فيها مهرجانات مثل مهرجان نزوى للتراث، وفعاليات مثل عروض الرقص التقليدي، والمعارض الحرفية، وفنون الصقارة – التي ترتبط بهوية عمانية أصيلة.
وتعد القلعة من أهم معالم الجذب في السلطنة. وتساهم في دعم الاقتصاد من خلال السياحة، والمحلات المجاورة، والأسواق التقليدية (سوڤ)، والمطاعم التي تقدم المأكولات العمانية.
كما أن برامج التعرف إلى القلعة والتجوال داخلها باتت جزءًا أساسيًا من التجربة السياحية في مسارات عُمان الداخلية.
ويقول الدكتور سعيد الشميلي، أستاذ التاريخ العماني والتراث الثقافي بجامعة السلطان قابوس، إن قلعة نزوى تجسّد براعة العمارة العُمانية في مراحل الحماية والدفاع. ولم تكن حصنًا فحسب، بل مركزًا إداريًا وثقافيًا واجتماعيًا للمنطقة. كما إن الحفاظ على هذه القلعة يمثل الحفاظ على هوية عمان التراثية.
الاستعادة والحفاظ على التراث
شهدت القلعة مشاريع ترميم شاملة بدأت في العام 1990 للحفاظ على ملامحها التاريخية الأصلية ومواجهة تآكل البيئة والتغيرات المناخية. وقد تم إدخالها ضمن القائمة المؤقتة للتراث العالمي لليونسكو، مما يعزز مكانتها العالمية كموقع تراث ثقافي هام.
كما أدخلت إدارة الموقع تحسينات في مرافق الزوار. ووجهت أنشطة تعليمية للمدارس والمجموعات الشبابية لتعزيز الروح الوطنية والتواصل مع التراث.



