جماعة الدروز.. الجذور والأصول في جبال الجنوب
نشأت جماعة الدروز في مطلع القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، كاستجابة لدعوة ظهرت في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، الذي أعلن مذهباً جديداً سنة 408 هـ / 1017 م، لاقت الدعوة قبولاً واسعاً في البداية، لكن بعد مقتل الحاكم عام 411 هـ / 1021 م، ارتد كثير ممن اعتنقوا المذهب عنها ومع ذلك، ظل أتباع هذا النهج متمسكين به، وظلت دعوتهم سرية لأكثر من عشرين عاماً، حتى أُغلقت نهائياً عام 434 هـ / 1042 م.
تاريخ جماعة الدروز
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة نجلا أبو عز الدين في كتاب الدروز في التاريخ، أن من تبقى من أتباع المذهب يتمركزون في المناطق الجبلية الوعرة، مثل جبل حلب، وجبل لبنان، ووادي التيم، وجبل الشيخ، وتعتقد بعض الروايات أن عدداً كبيراً من الدعاة فرّوا من مصر بعد مقتل الحاكم، واتجهوا إلى جبل الدروز في جنوب سوريا، حيث استقبلتهم جماعات من اليمن وبلاد فارس.
اندمج هؤلاء الوافدون مع سكان الجبل الأصليين، ليشكلوا نواة الجماعة الدرزية، التي توسعت لاحقاً باتجاه شمال حلب وغرب سوريا، وامتدت بعض فروعها نحو البقاع الأعلى، وانتهت ببعضها إلى سفوح جبل الكرمل، وهكذا تكونت هذه الجماعة الفريدة من نوعها، التي حافظت على خصوصيتها العقائدية والثقافية حتى يومنا هذا.
القبائل العربية في سوريا
شهدت بلاد الشام في أواخر العصر السلوقي تحولات سياسية واجتماعية عميقة، حيث تمكن شيوخ القبائل العربية من فرض نفوذهم على مناطق واسعة، أبرزها وادي نهر العاصي، بينما بسط الإغريق سيطرتهم على وادي الشياح، وهناك عاشوا وسط شعوبهم، وأقاموا تحصينات قوية فوق جبل العرب. ومن هذه القلاع كانوا يشنون الهجمات على المدن الساحلية حتى تمكّن القائد الروماني بومبيوس من هزيمتهم عام 63 قبل الميلاد.
في تلك المرحلة، سكنت بعض القبائل حياة شبه مستقرة في منطقة الحراء جنوب شرق دمشق، على سفوح جبل الدروز، وتركت وراءها نقوشاً أثرية على الصخور تشير إلى أسماء مثل كتبة حران أو أرمية. وعندما تحولت سوريا إلى ولاية رومانية عام 64 قبل الميلاد، كان النفوذ العربي قد امتد في أغلب أرجائها.
برز من بين أبناء حوران الإمبراطور فيليب العربي، أحد أبناء بني هلال، والذي وُلد في قرية من قرى حوران وحكم بين عامي 243 و249 ميلادية. تمتع فيليب بسمعة قوية، إذ اعتبره البعض ماراً أو كاهناً حكيماً، وارتقى في سلم النفوذ حتى دُعي إلى روما لحكم الإمبراطورية. وقد تمسكت الولايات التابعة بالإرث الثقافي والأخلاقي لقبائل الجنوب الذين حملوا شرف النسب ووضوح الأصل.
تاريخ حوران العريق ظل يشكل العمود الفقري للهوية السورية، فقد فشلت جميع القوى العالمية في إخضاعها، رغم افتقارها لجيوش منظمة أو موارد اقتصادية ضخمة لكن أهلها، الذين عاشوا فوق الصخور المكشوفة في أعالي الجبال، صنعوا لهم مكانة راسخة، وفرضوا احترامهم حتى على الرومان، الذين اعتبروا شعب حوران أمة لا تمس.
حضارات عربية تحدت الإمبراطوريات
برزت مدينة تدمر كواحدة من أعظم المراكز التجارية والثقافية في القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، إذ سيطرت على طرق التجارة عبر نهر الفرات، ونجحت في الاحتفاظ بمكانتها رغم تبعيتها للرومان، كانت تعرف بتسميات مثل تدمرات أو مملكة الصحراء، وبلغت ذروة مجدها في عهد الملكة زنوبيا، التي واجهت الرومان في معركة حاسمة قبل أن تنتهي بهزيمتها.
تجسدت في شخصية زنوبيا صفات القيادة الفذة، إلى جانب ما امتازت به من الفضيلة والجمال، وامتد نفوذها من مصر إلى آسيا الصغرى، وتبقى آثار تدمر شامخة حتى اليوم، شاهدة على هذا العصر الذهبي.
إلى الجنوب، بنى الأنباط دولة متماسكة اقتصادياً اعتمدت على التحكم في طرق القوافل الممتدة من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط ولا تزال البتراء، عاصمتهم المحفورة في الصخر، دليلاً قوياً على براعتهم المعمارية والتجارية، وقد وصلت حدود مملكتهم إلى دمشق وبلدات حوران مثل صلخد، وظلت مزدهرة حتى عام 106 ميلادي، حين أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية.
في شمال سوريا، أسس العرب مملكة عاصمتها الرها، وتروى عن هذه الدولة قصة الملك أبجر، الذي أصيب بمرض عضال، فكتب إلى السيد المسيح يطلب منه المساعدة، وقد أرسل المسيح حنانيا، أحد تلاميذه، الذي يقال إنه شفى الملك، فآمن هذا الأخير وأرسل دعوة ثانية للمسيح لزيارة الرها. فاعتذر المسيح ووعده بإرسال أحد تلاميذه بعد صعوده إلى السماء وبالفعل، ذهب تلميذه تدا إلى الرها وبشّر أهلها، قبل أن يتوجه إلى فلسطين لمواصلة دعوته.



