من الفريج إلى الأوبرا.. كيف تحولت الإمارات إلى مركز ثقافي عالمي؟

أسماء صبحي – في العقود الأخيرة، خطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات هائلة نحو التحول من مجتمع تقليدي بسيط. حيث كانت الحياة تدور حول “الفريج”، الحي الشعبي الذي كان يمثل نواة الحياة الاجتماعية والثقافية. إلى دولة معاصرة تعد اليوم من أبرز المراكز الثقافية العالمية.
هذا التحول لم يكن صدفة، بل ثمرة لرؤية استراتيجية عميقة دعمتها قيادة طموحة واستثمارات هائلة في البنية التحتية الثقافية، والتعليم، والانفتاح الحضاري.
الفريج وجذور الثقافة الإماراتية
في الماضي، كان الفريج أكثر من مجرد حي سكني، بل كان مركزًا نابضًا بثقافة الإمارات الأصيلة. حيث يتقاسم السكان الأفراح والأحزان، وتروى الحكايات الشعبية، وتمارس العادات والتقاليد من خلال المجالس، والحرف اليدوية، واحتفالات المناسبات. كما كانت الثقافة في ذلك الوقت شفوية ومجتمعية، تنبع من التراث، وتعكس روح التعاون والبساطة.
منذ تأسيس الدولة عام 1971، أدركت القيادة الإماراتية أهمية الثقافة كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والتنمية الشاملة. فبدأت الدولة في دعم الفنون والتعليم والتراث، إلى جانب المشاريع الاقتصادية. وقد قاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذه الرؤية من خلال تعزيز التراث المحلي. ثم استكمل القادة من بعده المسيرة عبر مشاريع طموحة نقلت الإمارات إلى مصاف الدول الرائدة ثقافيًا.
البنية التحتية الثقافية
أحد أبرز ملامح التحول الثقافي في الإمارات هو إنشاء بنية تحتية ثقافية بمقاييس عالمية. ونذكر على سبيل المثال متحف اللوفر أبوظبي الذي يعد أول متحف عالمي في العالم العربي. ويمثل رمزًا للتسامح الثقافي والتبادل الحضاري.
كذلك، تم افتتاح دار أوبرا دبي، وهي منصة فنية تحتضن عروض الأوبرا العالمية، والباليه، والحفلات الموسيقية، والمسرحيات. ما يجعل من دبي وجهة ثقافية متكاملة.
الفعاليات والمهرجانات الثقافية
وساهمت الإمارات في ترسيخ موقعها كمركز ثقافي من خلال تنظيم فعاليات دولية كبرى. مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومهرجان أبوظبي، وبينالي الشارقة للفنون، وموسم دبي الفني. وهذه الفعاليات لا تجذب فقط الفنانين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم. بل تعزز أيضًا الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة وتدعم الصناعات الإبداعية محليًا.
ما يميز التحول الثقافي في الإمارات هو تبني سياسة الانفتاح على ثقافات العالم، دون التخلي عن الجذور الوطنية. ففي مجتمع يعيش فيه أكثر من 200 جنسية، أصبح التعايش الثقافي واحترام الآخر جزءًا من الهوية الإماراتية الحديثة. ويعكس هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة نجاح الإمارات في تقديم نموذج ثقافي فريد ومتكامل.