اللبان العماني: الذهب الأبيض الذي نشر الثقافة العمانية عبر القارات

أسماء صبحي – اللبان العماني أو كما يطلق عليه “الذهب الأبيض”، ليس مجرد مادة عطرية تستخرج من أشجار اللبان المنتشرة في محافظة ظفار بجنوب سلطنة عمان. بل هو رمز حضاري وثقافي عريق ساهم في صياغة هوية عُمان التاريخية، وفتح لها نوافذ على العالم منذ آلاف السنين. فمنذ العصور القديمة، لم يكن اللبان مجرد سلعة تجارية ثمينة بل كان وسيلة حضارية لنقل الثقافة العمانية إلى حضارات بعيدة. فساهم في بناء جسور من التواصل الثقافي والديني والتجاري عبر القارات.
موطن اللبان العماني
تعد محافظة ظفار وخاصة مدينة “صلالة” موطنًا لأجود أنواع اللبان في العالم. وتتميز شجرة اللبان بأنها تنمو في ظروف مناخية وجغرافية خاصة تجعل من إنتاجها فريدًا من نوعه من حيث الرائحة والنقاء والجودة. وقد عرفت عمان منذ آلاف السنين بأنها المصدر الأهم لهذا المنتج النفيس. حيث كانت القوافل تسير من ظفار إلى الموانئ البعيدة، حاملة اللبان إلى بلاد فارس، والهند، وروما، وبيزنطة، وحتى مصر القديمة. لقد كان اللبان حاضرًا في المعابد، والقصور، والطقوس الدينية، مما أكسبه بعدًا روحانيًا وثقافيًا يتجاوز قيمته التجارية.
ولعل ما يميز اللبان في عمان هو ارتباطه العميق بالهوية الثقافية العمانية، إذ لم يكن مجرد سلعة للتصدير. بل كان عنصرًا أساسيًا في الطقوس الاجتماعية والعادات التقليدية. واستخدمه العمانيون في مناسباتهم اليومية كالبخور في المجالس، وفي الأعراس، وحتى في التداوي الشعبي. لما له من خصائص علاجية وطبية مثبتة، مثل تطهير الجهاز التنفسي وتحسين الحالة المزاجية.
كما شكل اللبان جزءًا من التراث الموسيقي والفني العماني. إذ ارتبط بروائح الأمكنة والذكريات، وكان جزءًا من مشهد الحياة اليومية.
تجارة اللبان
اللافت أن تجارة اللبان لم تكن مجرد نشاط اقتصادي، بل كانت تمثل منظومة متكاملة لنقل الثقافة العمانية. فقد ساهم اللبان في خلق طرق تجارية بحرية وبرية امتدت من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط، عُرفت باسم “طرق اللبان”. وعلى امتداد هذه الطرق، تعرّف الناس على الفنون العمانية، واللغة، والعادات، والضيافة، وحتى الهندسة المعمارية التي نقلها التجار العمانيون إلى مناطق نفوذهم. وبهذا، أصبح اللبان رسولًا صامتًا يحمل معه ملامح عمان إلى العالم.
وفي العصر الحديث، لا يزال اللبان العماني يحافظ على قيمته، بل استُثمرت رمزيته الثقافية في الصناعات الحديثة، مثل صناعة العطور الفاخرة، والمستحضرات الطبية، والترويج السياحي. حيث يقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم لزيارة “أرض اللبان” واكتشاف أسرار هذه الشجرة العريقة. كما أن إدراج مواقع إنتاج اللبان، مثل “وادي دوكة” و”خور روري”، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، يؤكد الأهمية التاريخية والثقافية لهذا المنتج.



