فهمي عمر.. شيخ الإذاعيين وصوت الحكمة الذي وصفه الرئيس السيسي بـ “كبير المقام”
أسماء صبحي – في تاريخ مصر الإعلامي والسياسي، تتجلى شخصيات نادرة جمعت بين الحضور الطاغي خلف الميكروفون والتأثير العميق في ميادين العمل العام والوطني. ولعل الإذاعي الكبير فهمي عمر يعد أحد أبرز هذه الشخصيات التي رسمت معالم حقبة كاملة بصوتها، ومواقفها، وانحيازها الصادق للناس والوطن.
بدايات فهمي عمر
ولد فهمي في السادس من مارس عام 1928، في قرية “الرئيسية” التابعة لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا. وينتمي إلى قبيلة الهمامية إحدى بطون قبيلة هوارة الشهيرة. زمن قريته الصغيرة بدأ رحلته مع العلم والمعرفة، حيث التحق بمدرسة دشنا الإعدادية التي تبعد نحو 15 كيلومتراً. ثم مدرسة قنا الثانوية ليكمل تعليمه الجامعي في كلية الحقوق.
كانت ملامح التميز والجدية حاضرة منذ بداياته فسرعان ما جذبته الأضواء الإعلامية. وتقدم بعد تخرجه لاختبارات الإذاعة المصرية ليعين في عام 1950 في وظيفة “مذيع ميكروفون”. ولم يكن مجرد مذيع عادي بل كان صوته العذب وهدوؤه واتزانه سببًا في تدرجه المهني حتى وصل إلى منصب رئيس الإذاعة المصرية. ليترك وراءه بصمة لا تنسى في تاريخ الإعلام العربي.
صوت الثورة
من المفارقات اللافتة في مسيرته، أنه كان شاهدًا حيًا وفاعلًا على واحدة من أهم اللحظات المفصلية في تاريخ مصر الحديث. صباح 23 يوليو 1952 حين كان جالسًا بجوار الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وعند الساعة السابعة والنصف صباحًا فتح ميكروفون الإذاعة ليعلن أول بيان للثورة قائلاً: “سيداتي وسادتي دقت ساعة جامعة الملك فؤاد السابعة والنصف من صباح الأربعاء. وإليكم نشرة الأخبار التي نستهلها ببيان من القوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة”.
بهذه الكلمات، دخل فهمي التاريخ من أوسع أبوابه. وأصبح أول إعلامي يعلن عن ثورة 23 يوليو التي غيرت المسار السياسي والاجتماعي في مصر وأعادت صياغة المشهد من جذوره.
فهمي عمر نائب البرلمان
لم يكن صوت فهمي مقتصرًا على الإذاعة فحسب. بل امتد إلى ساحة العمل السياسي حين ترشح لعضوية مجلس الشعب عام 1987 قبل عام من بلوغه سن التقاعد. ونجح باكتساح ليمثل دائرته بثقة واحترام على مدى عدة دورات حتى عام 2002.
وفي قاعة البرلمان، احتفظ بأسلوبه الهادئ الرصين وظل صوت العقل والحكمة حاضرًا بين زملائه النواب. كما عرف بدفاعه عن قضايا الناس لا سيما أبناء الصعيد الذين لم ينسى أوجاعهم رغم إقامته في العاصمة.
صوت القبائل
عرف عن الشيخ فهمي عمر أنه صاحب كلمة مسموعة بين القبائل. وقد اختارته القبائل العربية في قنا ومصر عامة ليكون رئيسًا شرفيًا لمجلس القبائل العربية. وهو كيان تأسس عقب ثورة 30 يونيو 2013 لدعم مؤسسات الدولة والمساهمة في حل النزاعات القبلية بالحوار والتفاهم.
وبفضل حكمته وحنكته، نجح في وأد العديد من الخصومات الثأرية. كما تمكن من فرض ثقافة السلم الاجتماعي على خلافات طالما استعصت على التدخلات الأمنية أو العرفية التقليدية. وأجمعت القبائل في قنا وقبليًا على احترامه ورأوا فيه رجلًا قادرًا على جمع الشمل وحفظ الود.
تكريم الدولة
ما قدمه فهمي عمر لم يمر دون تقدير من أعلى المستويات. فقد وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ”كبير المقام”، وقال عنه في أحد المؤتمرات: “يا أستاذ فهمي، أنت كبير المقام، وكلامك كله بنقدره ونحترمه”.
كانت هذه الكلمات بمثابة وسام شرف على صدر رجل قضى عمره في خدمة مصر، بصوته، وعقله، ومواقفه التي لم تتبدل.



