العزاء في دمياط: طقوس الوداع والكرم بين الأصالة وتحديات العصر
أسماء صبحي – تعد محافظة دمياط الواقعة على سواحل شمال مصر، من المحافظات التي لا تزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها المتجذرة. لا سيما فيما يتعلق بمراسم العزاء وتوديع الراحلين. وتتسم هذه العادات بالاحترام الكبير للميت، والتكافل الاجتماعي بين الأهالي. رغم ما تفرضه الظروف الاقتصادية من تغيرات على تفاصيل هذه الطقوس.
صوان العزاء في دمياط
عقب الوفاة، ينصب “الصيوان” أو “المضيفة”. وغالبًا ما يكون أمام منزل الفقيد أو في قاعة مخصصة داخل القرية أو المدينة. كما يتوافد المعزون لتقديم واجب العزاء، بينما يجلس أهل المتوفى في صفوف لاستقبال كلمات المواساة.
يفتتح العزاء بتلاوة القرآن الكريم من قِبل مقرئين معروفين. حيث تقرأ آيات الرحمة وترفع الأكف بالدعاء للميت. وتعتبر هذه اللحظة فرصة للم الشمل. حيث يحضرها أبناء القرية أو الحي من جميع الأطياف.
الأطعمة والمشروبات
من أبرز ما يميز عزاء أهل دمياط هو إعداد وتقديم الطعام للمعزين. إذ يعتبر إعداد “الوليمة” نوعًا من الصدقة عن روح المتوفى. وفيه يقدم اللحم والأرز والمشروبات على مدار أيام العزاء الثلاثة. وغالبًا ما يشارك الجيران والأقارب في تقديم المساعدة من خلال تجهيز الطعام أو تقديم المكونات.
وقد ذكر الباحث في علم الاجتماع الريفي، الدكتور محمود أبو الوفا، أن تقديم الطعام في العزاء بدمياط ليس فقط تقليدًا دينيًا. بل هو فعل مجتمعي يحمل في طياته معاني التضامن ومشاركة الحزن.
اليوم الثالث والختام
في اليوم الثالث، ينظم ما يعرف بـ”ثالث الميت”، حيث تختتم مراسم العزاء عادةً بقراءة “ختمة قرآن” وتوزيع الطعام أو الحلويات أو التمر على الفقراء كنوع من الصدقة الجارية. وهناك من يختار إقامة “عشاء الرحمة”، الذي يجمع فيه أهل القرية أو العائلة في جو يسوده الحزن والدعاء.
رغم قدسية هذه التقاليد، إلا أن الظروف الاقتصادية الراهنة باتت تمثل تحديًا كبيرًا للأسر. خاصة في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والسلع.
وقال الدكتور محمد عبد الحليم، المتخصص في الدراسات الاجتماعية بجامعة القاهرة، إن التمسك ببعض المظاهر الاجتماعية في العزاء مثل الولائم الكبرى أو الاستعانة بمقرئين مشهورين أصبحت تمثل عبئًا لا يقدر عليه الكثير من الأسر. مما دفع البعض إلى تبسيط الطقوس دون المساس بجوهرها الروحي.
