البيمارستان الكاملي: تحفة معمارية وإنسانية في قلب حلب
البيمارستان الكاملي هو أحد أهم المعالم التاريخية والثقافية في مدينة حلب. كما يعكس تراثها الإسلامي العريق. يتميز هذا المبنى بتصميمه المعماري الفريد والمتناغم مع البيئة المحيطة. وبخدماته الطبية والاجتماعية التي قدمها للمرضى والفقراء والمسافرين على مدى قرون. في هذا المقال، سنتعرف على تاريخ هذا البيمارستان ومكوناته ووظائفه وأهميته.
تاريخ البيمارستان الكاملي
يعود تاريخ البيمارستان الكاملي إلى العصر المملوكي، الذي شهد ازدهاراً علمياً وفنياً وحضارياً في بلاد الشام. كان أرغون الكاملي. الذي سمي البيمارستان نسبةً إليه. كما أن أحد أبرز القادة المملوكيين في حلب، وقد تولى نيابة السلطنة في المدينة عدة مرات بين عامي 1342 و1362م. كان أرغون الكاملي معروفاً بحبه للعلم والفن والخير، وقد أنفق ثروته الطائلة على بناء وتجميل وتطوير المساجد والمدارس والخانات والحمامات والبيمارستانات في حلب وضواحيها.
أمر أرغون الكاملي بإنشائه في عام 1353م، في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، الذي كان صديقاً له ومن أشد المعجبين بحلب. وقد اختار أرغون الكاملي موقعاً مميزاً للبيمارستان. في شارع باب قنسرين، الذي كان أحد أهم الشوارع التجارية والسياحية في حلب القديمة. والذي يربط بين باب النصر وباب الفرج. وقد رصد أرغون الكاملي وقفاً كبيراً للبيمارستان. كما يتضمن قرية بنش وغيرها من القرى والأراضي والمحلات والمزارع، لضمان استمرارية تمويله وإدارته وصيانته.
مكونات البيمارستان الكاملي
يتألف من مبنى رئيسي مربع الشكل، يحيط به سور من الحجر. كما يدخله من بابين، أحدهما رئيسي والآخر فرعي. الباب الرئيسي يواجه الغرب. ويعلوه قرنصة مزخرفة، ويغلق بباب خشبي مغطى بالنحاس، ومزين بأشرطة نحاسية تتقاطع بشكل هندسي. وعلى الجدار يسار الباب يوجد كتابة منقوشة بالخط النسخي، تذكر اسم المؤسس والسلطان والتاريخ والوقف.
يؤدي الباب الرئيسي إلى ردهة مستطيلة، على يسارها حجرة تستخدم كصيدلية. وعلى يمينها حجرة تستخدم كعيادة خارجية. وللردهة نافذة مطلة على باحة مربعة. كما تتوسطها بركة ماء مع نافورة، وعلى جانبيها رواقان مرفوعان على أربعة أعمدة. ومن الباحة تؤدي أبواب إلى غرف المرضى، التي تنقسم إلى قسمين، أحدهما للرجال والآخر للنساء. كما تحتوي كل غرفة على سرير وخزانة ومصباح وموقد ومرآة وسجادة ومصحف. وتهتم برعاية المرضى مجموعة من الأطباء والممرضين والخدم، الذين يقدمون لهم العلاج والغذاء والملابس والمواساة.
وظائف البيمارستان الكاملي
كان البيمارستان الكاملي يقوم بوظائف عديدة ومتنوعة. كما تجمع بين الجانب الطبي والجانب الاجتماعي والجانب الديني. من حيث الجانب الطبي، كان البيمارستان يستقبل المرضى من كل الأديان والطوائف والجنسيات. ويعالجهم بالطرق الحديثة لذلك الزمان، مثل الجراحة والحجامة والعلاج بالأعشاب والموسيقى. كما كان البيمارستان يضم مكتبة طبية غنية بالكتب والمخطوطات، وينظم دورات ومحاضرات لتعليم الطب والصيدلة والتمريض. وكان البيمارستان يشجع البحث العلمي والتجارب العملية، ويساهم في نشر المعرفة الطبية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي.