تاريخ ومزارات

معبد الرأس السوداء: كنز أثري يروي قصة التقاء الحضارات في الإسكندرية 

أسماء صبحي – وسط زحام مدينة الإسكندرية الحديثة، وتحديدًا في منطقة سيدي بشر. يقبع أحد أبرز الشواهد التاريخية المنسية التي تعود إلى الحقبة الرومانية، وهو معبد الرأس السوداء. وعلى الرغم من مكانته التاريخية وقيمته الأثرية، لم يحظى هذا المعبد بالاهتمام الذي يستحقه. سواء على المستوى الإعلامي أو السياحي مما يجعله أحد الكنوز الغائبة عن ذاكرة الكثيرين.

اكتشاف معبد الرأس السوداء

في عام 1936، وأثناء تنفيذ أحد مشروعات البناء في منطقة سكنية بسيدي بشر. صادف العمال وجود أساسات حجرية غير معتادة. وبعد إخطار الجهات المختصة، تبين أن هذه الحجارة هي بقايا معبد روماني صغير يعود إلى القرن الثاني الميلادي. وقد أُطلق عليه لاحقًا اسم “معبد الرأس السوداء” نسبة إلى تمثال لرأس امرأة سوداء عثر عليه في الموقع.

ورغم صغر حجمه، يتميز المعبد بتصميم معماري فريد يدمج بين الطراز الروماني والبصمة المصرية. وبني من الحجر الجيري، ويحتوي على حجرة مستطيلة الشكل، كانت مخصصة لتقديم القرابين ويتوجها سقف على هيئة قبو نصف أسطواني. كما تظهر الزخارف القليلة الموجودة على الجدران ملامح من التأثيرات الدينية المصرية، خاصة رموز الإلهة إيزيس.

ولم يكن المعبد مجرد بناء ديني، بل يمثل شهادة حية على التفاعل الثقافي والديني بين المصريين والرومان. خاصةً في الإسكندرية التي كانت مركزًا عالميًا للعلم والفن والدين. وتشير النقوش والمقتنيات التي عصر عليها داخله إلى أن المعبد كان مخصصًا لعبادة إيزيس، التي استمرت طقوسها حتى العصور الرومانية. ما يعكس مدى تجذّر الهوية المصرية في ظل الاحتلال الأجنبي.

نقل المعبد

نقل المعبد لاحقًا إلى حديقة المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية. بهدف الحفاظ عليه من التآكل والعوامل البيئية. إلا أن هذا النقل أدى أيضًا إلى تغييب دوره عن السياق المحلي الذي نشأ فيه وأضعف من حضوره في الوعي العام.

وقال الدكتور محمد عبد الستار، أستاذ الآثار الكلاسيكية بجامعة الإسكندرية، إن معبد الرأس السوداء لم يحظى بما يستحقه من اهتمام. رغم أنه يمثل نموذجًا نادرًا للمزج بين العمارة الرومانية والتقاليد الدينية المصرية. كما كان الموقع الأصلي للمعبد جزءًا من النسيج الثقافي للمدينة، ونقله للمتحف لم يصاحبه توثيق كافي لتعريف الجمهور بأهميته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى