مركز مليحة للآثار في الشارقة: رحلة عميقة إلى قلب التاريخ الإنساني

أسماء صبحي
في قلب صحراء الشارقة، وعلى بعد خطوات من الحاضر، يقع أحد أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بل في منطقة الخليج العربي بأسرها، وهو مركز مليحة للآثار. ولا يكتفي هذا الموقع الفريد بعرض مقتنيات أثرية جامدة، بل يقدم تجربة تفاعلية شاملة تأخذ الزائر في رحلة تمتد عبر آلاف السنين. وتكشف عن حضارات ما قبل التاريخ التي ازدهرت في هذه الأرض.
مقتنيات مركز مليحة للآثار
يرجع تاريخ الموقع إلى أكثر من 130 ألف عام، حيث تم العثور على أدوات حجرية وبقايا عظام تشير إلى وجود بشري منذ العصر الحجري القديم. وتظهر الأدلة الأثرية أن المنطقة شهدت تطورًا حضاريًا مستمرًا، بدءًا من مجتمعات الصيد والجمع. وصولًا إلى أنماط أكثر تطورًا من الزراعة والتجارة والاستيطان. وقد تم توثيق مقابر جماعية، ومدافن تعود للعصر البرونزي، وآثار لمبانٍ سكنية وأبراج دفاعية.
وداخل المركز، يجد الزائر نفسه محاطًا بأكثر من مجرد آثار. فالمركز يضم مجموعة من القطع الأصلية المكتشفة في الموقع، منها أوانٍ فخارية، وأدوات حجرية، ومجوهرات بدائية، وعظام حيوانات. كما ترافق هذه المعروضات شروحات رقمية وتفاعلية تمكن الزائر من فهم كيفية استخدام هذه الأدوات في الحياة اليومية للإنسان القديم.
تجربة تفاعلية تجمع بين المغامرة والمعرفة
ما يميز المركز هو الدمج الذكي بين التعليم والتجربة الحية. حيث يمكن للزوار المشاركة في جولات بقيادة مرشدين أثريين متخصصين، والقيام بجولات سفاري في الصحراء لاستكشاف المواقع التي لم تنقب بالكامل بعد. كما يمكن للزوار تجربة التنقيب الأثري الافتراضي، والاطلاع على خرائط تفاعلية توضح مسار تطور الحياة في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، يوفر المركز أنشطة رياضية صحراوية مثل ركوب الجمال والدراجات الرباعية. مما يجعله وجهة متكاملة تجمع بين الثقافة والمغامرة.
ويقول الدكتور جمال النقبي، أستاذ علم الآثار بجامعة الشارقة، إن مركز مليحة للأثار ليست مجرد موقع أثري. بل هو مرآة تعكس تطور الفكر البشري والأنظمة الاجتماعية في واحدة من أكثر البيئات تحديًا على وجه الأرض. كما يثبت الموقع أن الصحراء كانت مهدًا لحضارات استثنائية ازدهرت وتفاعلت مع بيئتها ببراعة.
ويتعاون مركز مليحة مع جامعات ومراكز بحثية دولية لإجراء دراسات ميدانية، كما يستضيف برامج مدرسية ومبادرات تعليمية موجهة للأطفال واليافعين لتعزيز الوعي بقيمة التراث. وتعد هذه الجهود خطوة مهمة نحو تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية، وربط الأجيال الجديدة بجذورها.