100 عام على انطلاق أول برلمان مصري بعد الثورة.. حكاية انتخابات صنعت التاريخ

في يوم 12من يناير عام 1924، شهدت مصر لحظة تاريخية فارقة، حيث انطلقت أول انتخابات برلمانية في تاريخ البلاد، بعد مرور خمس سنوات على ثورة 1919 التي أشعلت نيران المطالبة بالحقوق والحريات وسط مجتمع كان يفتقر لأبسط صور المشاركة السياسية، تلك الثورة التي توحدت فيها كافة فئات الشعب، وساهمت في إعادة تشكيل المشهد السياسي المصري.
حكاية أول انتخابات في مصر
جاءت هذه الانتخابات في ظل عهد الملك فؤاد الأول وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث ارتفعت أصوات المصريين مطالبة بالجلاء والاستقلال الكامل عن الاحتلال الإنجليزي، ومع استمرار الضغط الشعبي والسياسي بدأت ملامح التغيير بالظهور، وتمكن الشعب من انتزاع اعتراف رسمي باستقلال مصر في عام 1922، ليبدأ بعدها مباشرة حصاد ثمار نضاله.
من أبرز ما حققته ثورة 1919 صدور تصريح 28 فبراير 1922، الذي اعترف بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة رغم وجود تحفظات أربعة، كما أدى إلى إنهاء الحماية البريطانية المفروضة منذ عقود، وشكل هذا الاعتراف نقطة تحول مهمة دفعت نحو وضع دستور جديد للبلاد عام 1923، نص على ضرورة تأسيس نظام نيابي برلماني يضمن الفصل والتوازن بين السلطات الثلاث.
سعى هذا النظام البرلماني إلى وضع إطار قانوني ينظم العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، فحصل البرلمان على حق المراقبة والمحاسبة، في المقابل احتفظ الملك بعدد من الصلاحيات، مثل حل البرلمان ودعوته للانعقاد، لكن في الوقت ذاته أقر الدستور حق البرلمان في الانعقاد تلقائيًا إذا امتنع الملك عن ذلك في موعده المقرر.
دخول مصر أولى مراحل الحياة النيابية
دخلت مصر أولى مراحل الحياة النيابية بشكل فعلي في يناير من عام 1924، حيث تم تشكيل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وبلغت مدة عضوية النواب خمس سنوات يتم اختيارهم جميعًا بالانتخاب، أما مجلس الشيوخ فقد تكون من ثلاثة أخماس بالانتخاب، بينما تم تعيين الخمسين الباقيين.
أسفرت نتائج أول انتخابات برلمانية عن فوز كاسح لحزب الوفد، الذي حصل على الأغلبية الساحقة من مقاعد مجلس النواب بعد أن فاز بـ195 مقعدًا، فيما فاز عدد محدود من حزب الأحرار الدستوريين الذي كان يتزعمه عبد الخالق ثروت، وكانت هذه النتائج انعكاسًا واضحًا لتأييد الشارع لقيادة الوفد التي طالبت بالاستقلال والكرامة الوطنية.
تكون مجلس النواب في ذلك الوقت من 264 عضوًا منتخبًا، أما مجلس الشيوخ فضم 147 عضوًا بينهم 28 تم تعيينهم، وتم افتتاح أول برلمان في تاريخ مصر الحديث رسميًا في الخامس عشر من مارس من نفس العام، ليبدأ فصل جديد في مسيرة النضال الوطني عبر بوابة الديمقراطية والعمل النيابي.
هذه اللحظة لم تكن مجرد بداية لحياة سياسية فحسب، بل كانت محطة فاصلة أعادت للشعب ثقته بقدرته على إحداث التغيير، ووضعت حجر الأساس لمستقبل برلماني امتد لأجيال، وأسست لمرحلة من التفاعل الحقيقي بين المواطن والدولة في إدارة شؤون البلاد.



