عبد الرحمن الداخل.. الأمير الأموي الذي أعاد أمجاده في الأندلس

بعد انهيار الدولة الأموية في دمشق على يد العباسيين. وجد العديد من أفراد بني أمية أنفسهم مطاردين في كل مكان بسبب بطش العباسيين وسعيهم للقضاء على كل من يحمل الدم الأموي. وسط هذا المشهد الدموي. كما تمكن أمير شاب من الفرار، وكان يحمل في داخله طموحًا جارفًا لاستعادة مجد أجداده. إنه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، الذي ولد في إحدى قرى قنسرين عام 731م.
من هو عبد الرحمن الداخل
بدايته كانت محفوفة بالمخاطر، حيث لجأ في البداية إلى دار يملكها على ضفاف الفرات. لكن القوات العباسية تعقبت أثره، فاضطر إلى الهروب سباحةً عبر النهر قبل أن يتم القبض عليه. واصل رحلته الشاقة إلى فلسطين ثم إلى مصر، حيث لا يزال الولاء للأمويين قائمًا. بعد فترة قصيرة هناك، توجه إلى القيروان. لكنه وجد أن واليها عبد الرحمن بن حبيب الفهري قد بدّل ولاءه لصالح العباسيين، فاضطر إلى البحث عن ملجأ آخر، واستقر أخيرًا بين قبائل البربر في المغرب، مستفيدًا من صلة والدته التي كانت تنتمي إلى قبيلة نفزة القوية.
أثناء إقامته في شمال إفريقيا بين طنجة وسبتة، وصلته أخبار الاضطرابات السياسية في الأندلس، والتي فتحت أمامه الأمل في استعادة مُلك أجداده. كان يدرك جيدًا أن لديه هناك قاعدة قوية من موالي بني أمية. الذين كانوا يحتلون مناصب إدارية واقتصادية مهمة، خاصة في مناطق البيرة وجيان. أرسل حاجبه بدر برسالة إليهم يطلب دعمهم، فاستجابوا بحذر، ونصحوه بالتحالف مع إحدى العصبيتين الكبيرتين في الأندلس: القيسية أو اليمنية.
كما بدأت المراسلات مع القيسية، التي كان زعيمها الصميل بن حاتم في البداية مرحبًا، لكنه تراجع لاحقًا عن دعمه. عندها، اتجه عبد الرحمن إلى اليمنية، التي كانت في صراع دائم مع القيسية. فوجد لديهم دعمًا قويًا. أبرم تحالف بين الأمويين واليمنيين، ما جعل الكثير من البربر ينضمون إلى هذا التحالف طمعًا في المكاسب. بعد تأكده من نجاح خطته، قرر عبد الرحمن التحرك نحو الأندلس.
استقبال المؤيدين
عبر مضيق جبل طارق ونزل في “المنكب”، وهو مرفأ صغير، وكان في استقباله بعض موالي بني أمية. توجه إلى قرية طرش، حيث أقام في دار يوسف بن بخت واتخذها مقرًا له. وبدأ باستقبال المؤيدين، الذين تضاعف عددهم مع انضمام عامل كورة رية وعامل مورور، بالإضافة إلى جماعات من اليمنيين والبربر.<
في هذه الأثناء، كان يوسف الفهري والصميل منشغلين في إخماد تمرد في سرقسطة، وعندما عادا إلى طليطلة، وصلهما خبر وصول عبد الرحمن إلى الأندلس والتفاف الناس حوله، فقررا مواجهته قبل أن تتسع رقعة نفوذه. لكن تسرب الأخبار عن المعركة المرتقبة دفع بالعديد من الجنود اليمنيين إلى الفرار من جيش الفهري والانضمام إلى عبد الرحمن، ما أربك حسابات خصومه.
حاول الفهري احتواء الموقف فعرض التنازل عن الحكم لعبد الرحمن، لكن الأخير رفض، بناءً على نصيحة مستشاريه بعدم الوثوق به. ومع تزايد التوتر، حشد الفهري والصميل قواتهما قرب كورة البيرة، حيث استعد عبد الرحمن للمواجهة الحاسمة. وقعت المعركة في التاسع من ذي الحجة، عندما استغل عبد الرحمن انحسار مياه نهر الوادي الكبير وعبر بجيشه، مستخدمًا خدعة دبلوماسية لكسب الوقت، إذ أوهم خصومه برغبته في التفاوض. لكن في فجر اليوم التالي، الذي وافق أول أيام عيد الأضحى، شن هجومًا كاسحًا، اضطر معه الفهري والصميل إلى الفرار.
فتح هذا النصر أبواب قرطبة أمام عبد الرحمن، فدخلها ظافرًا في أول أيام عيد الأضحى عام 138 هـ، وأدى الصلاة في مسجدها الجامع، وأُعلن أميرًا على الأندلس. وهكذا أسس عبد الرحمن الداخل دولته الأموية، التي استقلت تمامًا عن الخلافة العباسية في المشرق، محققًا بذلك نبوءة مسلمة بن عبد الملك، الذي رأى فيه يومًا أنه سيكون منقذ بني أمية بعد سقوط ملكهم.