تاريخ ومزارات

معركة موهاكس.. أغرب انتصار في تاريخ الدولة العثمانية

أسماء صبحي
هزيمة ساحقة تشبه الإبادة تلقتها جيوش أوروبا مجتمعة في أول ساعات القتال يوم ‏معركة موهاكس، ‏فلم تكن معركة ‏بل كانت مذبحة ‏ﻻ يمكن أن تنساها أوروبا، ومايزال المجريون خاصةً يقتلهم الغيظ كلما تذكروها وهذا سر أحقادهم وعنصريتهم العدوانية تجاه المهاجرين السوريين أو كل من ينتمي إلى من هزموهم من بعيد أو قريب.
 
وقعت معركة موهاكس سنة (932هـ/1526م) بين الدولة العثمانية بقيادة سليمان القانوني وبين مملكة المجر بقيادة فيلاد يسلاف الثاني جاجليو، وكانت المجر هي حامية الصليبية ‏في أوروبا وقتها، وانتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا، مما أدَّى إلى ضم أراضي المجر إلى الدولة العثمانية.
 

غزوة كبيرة ضد المجر

كان ملك المجر فيلاد يسلاف الثاني جاجليو قد عزم على نقض أي تعهدات كانت قد أُعطيت من قِبل أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حدِّ قتل مبعوث السلطان سليمان إليه، وكان المبعوث يُطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر, ولهذا ردَّ سليمان بغزوة كبيرة ضد المجر.
 
وسار السلطان سليمان من إسطنبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ بلجراد، ثم تمكَّن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر؛ بفضل الجسور الكبيرة التي تمَّ تشييدها.
 
وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى “وادي موهاكس” بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست.
 
وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38 ألفًا من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، بعد أن أقامت المجر تحالفًا مكونا من ‏إحدى وعشرين دولة، ‏يعني قارة أوروبا كلها، ‏إلا بعض ولايات فرنسا والبرتغال، وكان يقود هذه الجموع الجرارة الملك “فيلاد يسلاف الثاني جاجليو”.
 

مشكلة تكتيكية

كانت مشكلة سليمان التكتيكية ‏هي كثرة فرسان الرومان والمجر ‏المقنعين بالحديد، ‏فتلك الفرسان لا سبيل لإصابتهم بالسهام أو الرصاص أو المبارزة، لتدريعهم الكامل، فماذا يفعل؟!.
 
وفي صباح يوم اللقاء (21 ذي القعدة 932هـ/29 أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسيَّة بليغة، وحثَّهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة، وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: “إن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم”، فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثُّرًا مما قاله السلطان.
 

خطة عسكرية

ووضع سليمان ومستشاروه لذلك خطة عسكرية تقضي بوضع تشكيل جيشه بطريقة 3 صفوف بينهم مسافتين كبيرتين، ووضع قواته الانكشارية في المقدمة ‏وهم الصفوة، ثم الفرسان الخفيفة في الصف الثاني، معهم المتطوعة والمشاة، وبقي هو والمدفعية في الصف الأخير. ‏
 
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني، فأمر سليمان قوات الانكشارية بالثبات والصمود ساعة فقط، ‏ثم الفرار، وأمر الصف الثاني الفرسان الخفيفة والمشاة بفتح الخطوط والفرار من على الأجناب، وليس للخلف.
 
وبالفعل صمدت قوات الانكشارية الأبطال، وأبادت قوات المشاة الأوروبية كاملة في هجومين متتاليين، ‏بقوات بلغت عشرين ألف صليبي ‏في الهجمة الوحدة، وانقضَّت القوة الضاربة للأوربيين وهي قوات الفرسان المقنعة بالكامل، ومعها 60 ألفاً آخرين من الفرسان الخفيفة. ‏
 
وحانت لحظة الفرار وفتح الخطوط وانسحبت الانكشارية للأجناب وتبعتها المشاة، وأصبح قلب الجيش العثماني مفتوحًا تمامًا ‏فانحدرت قوات أوروبا بقوة 100 ألف فارس مرة واحدة نحو قلب القوات العثمانية، فأصبحوا وجها لوجه أمام المدافع العثمانية مباشرة على حين غِرة، ‏والتى فتحت نيرانها المحمومة وقنابلها عليهم من كل ناحية، ‏ولساعة كاملة انتهى الجيش الأوروبى وأصبح من التاريخ.
 

انتصار الجيش العثماني

‏وحاولت القوات الأوروبية فى الصفوف الخلفية الهرب لنهر الدانوب فغرقوا وداسوا بعضهم البعض، ‏فغرق الآلاف منهم تزاحمًا، ‏‏وأراد الجيش الأوروبى الاستسلام ‏فكان قرار سليمان الذي لن تنساه أوروبا: “لا أسرى”، وبالفعل اضطر البقية أن يقاتلوا قتال اليائس.
 
وانتهت المعركة بمقتل فيلاد يسلاف ‏والأساقفة السبعة الذين يمثلون المسيحية، ومبعوث البابا، ‏وجميع القادة الكبار، وسبعون ألف فارس، ورغم هذا، ‏تم أسر 25 ألفاً آخرين كانوا جرحى، في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.
 
وكانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة، وفي وقت قليلٍ لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة.
 

دخول بودابست

وبعد اللقاء بيومين في (23 ذي القعدة 932هـ/31 أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءً من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.
 
ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الدانوب الغربي، حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 ذي الحجة 932هـ/10 سبتمبر 1526م)، وشاءت الأقدار أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.
 
ومكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا يُنَظِّم شئونها، وعَيَّن “جان زابولي” أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر، التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده، بعد أن دخلت المجر في سلطان الدولة العثمانية.
وهذه المعركة أغرب معركة في التاريخ ‏من حيث سرعة الحسم، ‏وما زالت تثير تساؤلات واستهجان‏ وحقد ودهشة البعض من المؤرخين الأوربيين.
 
المصدر:
كتاب (أيام لا تنسى.. صفحات مهمة من التاريخ الإسلامي) تأليف تامر بدر، تقديم: الدكتور راغب السرجاني، دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م.
سقوط إمبراطورية المجرية
“The Battle of Mohacs: The Fall of the Hungarian Empire”, by Richard H. Berg,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى