حقيقة الخابطية والحثية: أفكار مثيرة للجدل بين الفلسفة والاعتقاد الديني

برزت الخابطية، أتباع أحمد بن خابط، والحثية، أتباع الفضل الحدثي، كتيارين فكريين مثيرين للجدل في التاريخ الإسلامي. رغم انتمائهما إلى مدرسة النظام الفكرية، فقد انفتحا أيضاً على كتب الفلاسفة، مما أدى إلى تبنيهما ثلاث بدع أحدثت خلافاً واسعاً في الأوساط الفكرية والدينية.
حقيقة الخابطية والحثية
البدعة الأولى تمثلت في اعتقاد مشابه لعقيدة بعض النصارى، حيث أثبتوا حكماً إلهياً خاصاً بالمسيح عليه السلام. رأى أحمد بن خابط وأتباعه أن المسيح هو المسؤول عن محاسبة الخلق يوم القيامة، مستندين إلى تأويلهم لآيات مثل قوله تعالى: وجاء ربك والملك صفاً صفاً، وأو يأتي ربك، بالإضافة إلى أحاديث نبوية مثل خلق الله آدم على صورة الرحمن، ويضع الجبار قدمه في النار. ذهب بن خابط إلى القول بأن المسيح تدرع بجسد مادي، معتبراً إياه الكلمة القديمة المتجسدة، وهو نفس المفهوم الذي يتبناه النصارى.
البدعة الثانية كانت الإيمان بفكرة التناسخ، حيث اعتقدوا أن الله خلق البشر أصحاء وعقلاء في دار أولى غير هذه الدنيا، وزودهم بالمعرفة والإيمان. من أطاع الله تماماً بقي في دار النعيم، ومن عصى انتقل إلى الدنيا ليختبر الابتلاءات في أجساد بشرية أو حتى حيوانية. رأوا أن من زادت طاعته تحسنت صورته الجسدية وتقلصت آلامه، بينما من كثرت ذنوبه عانى في صورته ومحنته. واستمرت فكرة التناسخ في اعتقادهم على هيئة دورات لا تنتهي، حيث تعود الأرواح إلى الحياة بشكل متكرر حتى يتحقق التوازن بين الخير والشر.
أما البدعة الثالثة فتناولت تفسير رؤية الله يوم القيامة، حيث حملوا النصوص الدينية المتعلقة برؤية الباري على أنها تعني رؤية العقل الأول أو العقل الفعال، باعتباره أول مخلوق من الله ومصدر فيض الصور على الكائنات. وفقاً لهذا التصور، فإن ما سيراه الناس يوم القيامة هو هذا العقل النوراني الذي تنبع منه المعرفة والوجود، وليس الذات الإلهية.
أتباعهم
اعتمد أحمد بن خابط وأتباعه على مزج فلسفات مختلفة، حيث دمجوا بين تعاليم التناسخية، وأفكار الفلاسفة، ومفاهيم المعتزلة، مما أضفى على أفكارهم طابعاً معقداً ومثيراً للجدل. وأضاف بن خابط فكرة أن كل نوع من أنواع الحيوانات يمثل أمة مستقلة، ولكل أمة رسول من جنسها، مستشهداً بآيات مثل: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير.
تعمقت فلسفتهم في تقسيم الديار إلى خمس: داران للثواب، إحداهما مادية بأكل وشرب ولذات جسدية، والأخرى روحانية خالصة بلا ملذات جسدية، ودار للعقاب المحض هي نار جهنم، ودار الابتداء التي خلق فيها الخلق لأول مرة، ودار الابتلاء التي اختبر فيها البشر بعد عصيانهم في الدار الأولى.
انتهى بهم المطاف إلى الاعتقاد بأن دورة الحياة لا تتوقف حتى يمتلئ ميزان الخير والشر، فحينها يُنقل الإنسان إلى مصيره الأبدي دون تأخير. إذا غلب الخير أصبح الإنسان نقياً ودخل الجنة فوراً، وإذا غلب الشر أصبح شقياً واستحق النار. بهذا الفكر، وضع الخابطية والحثية بصمتهم في تاريخ الفكر الإسلامي كحركة فكرية خارجة عن المألوف ومليئة بالتفسيرات غير التقليدية.