“رأفت الهجان” أسطورة المخابرات المصرية التي هزّت الموساد

كتبت شيماء طه
تحل اليوم ذكرى رحيل البطل المصري رأفت الهجان، الاسم الحركي لرفعت علي سليمان الجمال، أحد أعظم عملاء المخابرات المصرية، والذي لعب دورًا حاسمًا في صراع المخابرات بين مصر وإسرائيل. وُلد الجمال في 1 يوليو 1927، ورحل في 30 يناير 1982، تاركًا خلفه إرثًا وطنيًا خالدًا في ذاكرة التاريخ المصري والعالمي.
رحلته إلى إسرائيل ونجاحه في الاختراق
كشفت المخابرات العامة المصرية عن دور رأفت الهجان بعد سنوات من التكتم، مؤكدة أنه تم إرساله إلى إسرائيل في يونيو 1956 ضمن خطة سرية محكمة، بهدف اختراق المجتمع الإسرائيلي والتغلغل في أوساطه السياسية والاقتصادية. وبفضل مهاراته الفائقة، تمكن من بناء شخصية رجل أعمال إسرائيلي ناجح يُدعى جاك بيتون، وأصبح شخصية مرموقة في تل أبيب، حيث أسس شركة سياحية كانت غطاءً لنشاطه التجسسي.
لم يكن اندماجه في المجتمع الإسرائيلي بالأمر السهل، لكنه استطاع أن يقيم شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين بارزين، مثل جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، وموشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي.
وعلى مدار 17 عامًا، زود مصر بمعلومات خطيرة ساعدت في كشف خطط إسرائيل العسكرية، وأثبت أنه كان واحدًا من أهم وأذكى العملاء الذين زرعتهم المخابرات المصرية داخل إسرائيل.
دوره في حرب 1967 والإستعداد لنصر أكتوبر 1973
من أبرز إنجازاته الكشف عن استعدادات إسرائيل لحرب يونيو 1967، حيث أبلغ القيادة المصرية بمعلومات دقيقة عن موعد الهجوم الإسرائيلي، مما جعل المخابرات المصرية على دراية بالتحركات العسكرية الإسرائيلية.
ورغم النكسة، استمر الهجان في أداء مهامه، وكان له دور كبير في التجهيز لحرب أكتوبر 1973، حيث نقل تفاصيل مهمة عن خط بارليف، ما ساعد القوات المصرية في وضع خطط العبور الناجحة التي قهرت الجيش الإسرائيلي.
الصدمة الإسرائيلية ومحاولات التشكيك
عندما أعلنت المخابرات المصرية عن قصة رأفت الهجان، حاولت إسرائيل في البداية نفيها، واعتبرت أن الأمر مجرد “خدعة مصرية”.
إلا أن الصحافة الإسرائيلية بدأت في عام 1988 في البحث عن حقيقة الهجان، حيث نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريرًا يؤكد أنه كان يهوديًا مصريًا يُدعى جاك بيتون، جاء إلى إسرائيل عام 1955، مما زاد من الغموض حول شخصيته.
وفي وقت لاحق، اعترف عيزرا هارئيل، رئيس جهاز الموساد الأسبق، بأن هناك “اختراقًا أمنيًا قويًا في قمة الجهاز”، لكنه لم يشتبه أبدًا في جاك بيتون، وهو الاسم الإسرائيلي للهجان.
كما أصدر الصحفيان الإسرائيليان إيتان هابر ويوسي ميلمان كتابًا بعنوان “الجواسيس”، أكدا فيه أن المعلومات التي أعلنتها مصر عن رأفت الهجان صحيحة في كثير من تفاصيلها، لكنه زعما أن الهجان كان يعمل أيضًا لصالح إسرائيل.
تحول قصته إلى أيقونة وطنية
بعد كشف المخابرات المصرية عن دوره البطولي، أصبح رأفت الهجان رمزًا وطنيًا في مصر، وتم إنتاج مسلسل تلفزيوني يحمل اسمه، قام ببطولته الفنان محمود عبد العزيز، وهو العمل الذي أسر قلوب الملايين وعرف الأجيال الجديدة بقصة بطولته.
ورغم مرور السنوات، لا تزال قصة رأفت الهجان واحدة من أنجح العمليات الاستخباراتية في التاريخ، إذ استطاع أن يخترق أعتى الأجهزة الأمنية في العالم، ويثبت أن المخابرات المصرية قادرة على التفوق على الموساد الإسرائيلي.
في ذكرى رحيله، تظل سيرة رأفت الهجان حاضرة كنموذج للبطولة والتضحية من أجل الوطن. فقد جسّد معنى الوفاء لمصر، وأثبت أن الذكاء والشجاعة يمكن أن يقهرا أعتى أجهزة الاستخبارات.