المزيد

د. مصطفى سليمان الهواري يكتب:الشيخ الجاسوس

كان الشيخ عبدالله فاضل أحد أكبر شيوخ قطاع غزة، وكان إمام مسجد خان يونس في أواخر الأربعينات، وأثناء حرب 1948، وكان حافظًا للقرآن الكريم كاملاً بتفسيره وعلومه، ولم يكن ذلك فحسب، بل وصل به الحال في يوم من الأيام إلى أن أصبح إمامًا للمسلمين في المسجد الأقصى بالقدس.

بعد انتقاله إلى مدينة خان يونس في قطاع غزة، استقر في مسجد خان يونس الكبير، حيث قضى معظم أوقاته في تلاوة القرآن الكريم، وإقامة الصلاة، وعظ الناس وشرح لهم أمور دينهم ودنياهم، وأحب الناس الشيخ فاضل، وثقوا فيه، والتفوا حوله.

ومن ناحية أخرى، كان الشيخ فاضل يظهر كرهًا شديدًا للاحتلال الإسرائيلي، وكان يؤيد المجاهدين في فلسطين بكل قوة، كما كان يحفزهم على القتال ويدعو لهم بالنصر على العدو الإسرائيلي.

وعندما بدأت الحرب العربية ضد إسرائيل في عام 1948، دخل الجيش المصري بقيادة الشهيد أحمد عبد العزيز إلى خان يونس لتحرير فلسطين، وتواصل الشيخ فاضل مع القوات المصرية التي شاركت في الحرب، وبدأ يتقرب من قائدها الشهيد أحمد عبد العزيز، ونائبه الضابط كمال الدين حسين، أحد أعضاء الضباط الأحرار الذين شاركوا لاحقًا في ثورة 23 يوليو 1952 ضد النظام الملكي في مصر.

وكان الشيخ فاضل يذهب إلى المعسكر المصري بانتظام، حيث كان يؤم الجنود المصريين في الصلاة، ويقرأ القرآن بأفضل تلاوة بصوت جميل رخيم، داعيًا للمقاتلين المصريين، مرددًا شعار “الله أكبر الله أكبر”، الذي أصبح أشهر شعار يردده الجنود المصريون في هذه الحرب.

لكن… بعد فترة، بدأ جهاز المخابرات المصرية المصاحب للقوات المصرية في خان يونس يلاحظ أن الشيخ فاضل كان يختفي لساعات في فترات متقطعة بعد منتصف الليل، فبدأوا يراقبون تحركاته عن كثب بعدما ظهرت الشكوك حول تصرفاته المشبوهة، وتمكن أحد الضباط المصريين من استخدام جهاز كشف الألغام للكشف عن شبكة أسلاك كهربائية غريبة حول مقر إقامة الشيخ فاضل، وتبين أنه كان يستخدم هذه الأسلاك للتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي، وبعد المراقبة الشديدة له، اكتشفوا أنه كان يتسلل في بعض الليالي من معسكر الجيش المصري إلى معسكرات العصابات الإسرائيلية.

ومع تأكدهم من أن الشيخ فاضل كان جاسوسًا في المعسكر المصري، اختفى الشيخ تمامًا ولم يعد يتردد على المعسكر ليؤم الجنود والضباط المصريين في الصلاة، وفي تلك اللحظة، تطوع أحد الضباط المصريين للقبض على الشيخ فاضل.

وفي إحدى الليالي، تسلل الضابط مع أحد عساكره إلى المعسكر الإسرائيلي، وتمكن من القبض على الشيخ فاضل، وربطه وتكميم فمه، ثم عاد الضابط ومساعده إلى المعسكر المصري وهو يحمل “صيدهم الثمين”.

حكم على الشيخ فاضل أمام لجنة عسكرية مصرية مكونة من ثلاثة ضباط، وتم اكتشاف أن اسمه الحقيقي هو “يهوذا جاكوب فاضل”، وهو من يهود اليمن الذين هاجروا إلى فلسطين في الأربعينات، وعاش في المستعمرات الإسرائيلية، وجنده جهاز المخابرات الإسرائيلي، واستغلوا لغته العربية الأصيلة وصوته الجميل في تعلم أصول القرآن الكريم لزرعه كشيخ جليل وسط المسلمين.

صدر حكم بالإعدام بالإجماع على الشيخ فاضل رميًا بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم فور صدوره، وبعد ذلك، حمل الضابط المصري الذي قبض عليه جثته ليلاً، وعاد بها إلى المعسكر الإسرائيلي، حيث ألقى جثة الجاسوس قرب أسوار المعسكر الإسرائيلي.

وبذلك انتهت قصة يهوذا، الذي أصبح أشهر شيخ وأفضل قارئ للقرآن الكريم في فلسطين، وكان يتصدر المصلين في الصلاة داخل المسجد الأقصى في قلب القدس الشريف، وكان يعجب به الناس أشد الإعجاب، ثم انتقل إلى مدينة خان يونس، إحدى أشهر مدن قطاع غزة، ليصبح إمامًا أكبر للمصلين وشيخ الشيوخ الذي يشرح للمسلمين أمور دينهم ودنياهم في مسجدها الكبير.

فكم من “يهوذا فاضل” بيننا اليوم، يتلو القرآن، يؤم المصلين، ويفتي بين المسلمين، ويعجب به الغافلون ويجلونه، ويعتبرونه شيخهم الجليل الفقيه، بينما هو في الحقيقة ليس سوى شيخ من شيوخ الفتنة، و”يهوذا فاضل” جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى