محمد علي باشا و بناء الدولة

كان حكم محمد علي لمصر حكما اوتوقراطيا ، أي أن محمد علي هو من يسيطر على مصر من جميع النواحي السياسية والاقتصادية ، و كان يستعين ببعض الاشخاص المهمين قبل اتخاذ القرارات ، قسم محمد علي مصر إلى سبع مديريات ، كل مديرية تضم عدة محافظات ، كما أسس محمد علي مجلسا حكوميا عرف باسم الديوان العالي ، و كان الديوان يتحكم في الدواوين الحربية و البحرية و التجارة و الشؤون الخارجية و المدارس و الابنية و الاشغال . كما أسس مجلسا للمشورة مكونا من كبار رجال الدولة والأعيان و بعض العلماء ، يتم انعقاده كل سنة و يختص بمناقشة مسائل الإدارة والتعليم والأشغال العمومية ،وفي عام 1837، وضع محمد علي قانونًا أساسيًا عرف بقانون “السياستنامة”، يحدد فيه سلطات كل ديوان من الدواوين الحكومية.

ألغى محمد علي نظام الالتزام الذي كان يسمح لبعض أفراد المجتمع امتلاك الأراضي وزراعتها و كان الأفراد يحصلون الضرائب و يرسلوها للوالي ، و استبدل محمد علي النظام بنظام الاحتكار الذي جعل محمد علي هو المالك الوحيد لأراضي القطر المصري ، ما أجهد محمد علي الشعب بالضرائب التي كان يفرضها على الشعب، كلما احتاج لتمويل أحد حملاته أو مشاريعه دون نظام محدد، شملت تلك الضرائب، الضرائب المفروضة على الأراضي والمزروعات والأفراد والماشية. و احتكر ايضا الصناعة و التجارة ، مما جعل محمد علي هو المالك الوحيد لكل الأراضي والتاجر الوحيد لمنتجاتها والصانع الوحيد لمصنوعتها .

أدرك محمد علي ان بالتعليم سوف تنهض البلاد ، و كان الشعب المصري انذاك معظمه غير متعلم و كانت العلوم التي تدرس في مصر هي العلوم الشرعية والإسلامية فقط . فقام محمد علي بإرسال بعض طلبة الأزهر إلى عدة دول اوروبية مثل فرنسا و انجلترا و ايطاليا لكي يتعلموا فيها ، و كانوا هم النواة لتلك النهضة العلمية . و كان الطلاب يدرسون العديد من العلوم في البعثات مثل الهندسة و بناء السفن والطباعة و العلوم العسكرية ، وكان من أبرز الطلاب الذين ساهموا في بناء النهضة المصرية مثل رفاعة الطهطاوي و علي مبارك .

انشئ محمد علي عدة كليات و كانت تسمى المدارس العليا ، و منها مدرسة المهندسخانة بالقلعة ، و مدرسة الطب و الصيدلة ، و مدرسة المعادن و مدرسة الطب البيطري و مدرسة الفنون و الصنائع و مدرسة الالسن . و لما تقدمت المدارس العليا و اتسع نطاقها ، قرر محمد علي عام 1837 بأنشاء المدارس الابتدائية تتولى إدارتها ، المصريين العائدين من الخارج ، فأسس خمسين مدرسة 4 منها في القاهرة و 1 بالاسكندرية و الباقي في باقي أقاليم مصر .

لكي يحقق محمد علي الاستقلال السياسي، كان في حاجة إلى إنماء ثروة البلاد وتقوية مركزها المالي ، لذلك قام محمد علي بالاهتمام بالمصانع ، حيث أنشأ قاعدة صناعية في مصر ، كان الهدف منها في البداية توفير احتياجات للجيش ، فقام محمد علي بإنشاء مصنعا للغزل و النسيج و اخر حبال السفن ، كما انشئ مصنعا للاقمشة الحريرية و اخر للصوف ، و مصنعا لنسيج الكتان و مصنعا للنحاس و معامل لانتاج السكر و مصانع للصابون و النيلة و دبغ الجلود و مصنعا للزجاج و الصيني و مصنعا للشمع و معاصر للزيوت كما انشئ ترسانة بحرية لصناعة السفن .

اهتم محمد علي بالزراعة فقام بشق الترع وشيد القناطر و الجسور على النيل ، كما خصص محمد علي 3000 فدان لزراعة التوت لانتاج الحرير ، و الزيتون لإنتاج الزيوت ،كما أدخل زراعة صنف جديد من القطن يصلح لصناعة الملابس، بعد أن كان الصنف الشائع لا يصلح إلا للاستخدام في التنجيد .

بعد أن ازدادت الحاصلات مصر الزراعية وخاصة القطن ، ازدادت الصادرات المصرية في الخارج ، كما أنشأ محمد علي أسطولا تجاريا ضخما ، كما امر ببناء طريق بين القاهرة و السويس و تأمينه لتسهيل حركة التجارة . و قضى على القراصنة في البحر الاحمر و اعاد التجارة بين مصر و الهند