المزيد

د. محمد السعيد إدريس يكتب ..من سيحدد معالم «ما بعد اليوم التالى»

منذ الساعات الأولى لدخول جيش الاحتلال الإسرائيلى إلى قطاع غزة يوم الثامن من أكتوبر 2023 عقب الإفاقة من صدمة يوم السابع من أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) انشغلت دوائر فكر وبحوث دولية متعددة (أمريكية على وجه الخصوص) بالبحث فى معالم ما سمته «اليوم التالى» لانتهاء الحرب فى قطاع غزة.

 

لم تنشغل هذه المراكز بفرضية أن إسرائيل لديها مخططات مسبقة تم إعدادها سلفاً لتفريغ قطاع غزة من شعبه إما بالقتل والإبادة وإما بالتهجير إلى سيناء فى مصر والسيطرة على القطاع عسكرياً تمهيداً لضمه إلى كيان الاحتلال أخذاً بمضامين قانون القومية الإسرائيلى الصادر عام 2018 والذى ينص على أن كل أرض فلسطين (أرض إسرائيل) من النهر إلى البحر هى «ملكية خالصة للشعب اليهودى وحده دون أى منازعة من أى شعب آخر والمعنى هنا هو الشعب الفلسطيني.

انشغلت تلك المراكز بما اعتبرته «عملية عسكرية» وراحت تسأل عما بعد هذه العملية، وبالتحديد ماذا بعد القضاء نهائياً على حركة «حماس»سياسياً وعسكرياً وفقاً للأهداف الإسرائيلية المعلنة لتلك الحرب. وأصبح سؤال «اليوم التالى» هو الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية وبالتحديد سؤال من سيحكم قطاع غزة فى ظل إنهاء وجود حركة «حماس».

لم ينشغل أحد بفرضية أن تخرج إسرائيل منهزمة من الإبادة الجماعية التى فرضتها على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. لم ترد مثل هذه الفرضية على بال أحد، لذلك كانت الإجابات الخاصة باليوم التالى لما بعد انتهاء العدوان الإجرامى الإسرائيلى على قطاع غزة متباينة بين أن تكون السلطة الفلسطينية ، أو سلطة فلسطينية جديدة أو ممثلين لعشائر فلسطينية من أهالى غزة، فى حين كانت إسرائيل تقول إن من سيحكم قطاع غزة هو: الجيش الإسرائيلى.

لم يتحدث أحد عن: «ماذا بعد اليوم التالى» لا فى أثناء العدوان الإجرامى الإسرائيلى الذى امتد خمسة عشر شهراً حتى إعلان الحكومة الإسرائيلية رسمياً موافقتها على خطة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى يوم 18 يناير الحالى، وهى الخطة التى بدأ سريانها يوم الأحد 19 يناير الحالى. كما لم يأت ذكر أى إشارة عن «ما بعد اليوم التالى» فى ذلك الاتفاق الذى تضمن إقراراً ضمنياً بالهزيمة الإسرائيلية، فالمعنى الواضح والصريح للفشل والعجز عن تحقيق أهداف العدوان العسكرى هو الفشل، وما نعنيه بـ «ما بعد اليوم التالى» هو مستقبل الصراع: هل هناك من نهاية، هل سيصمد اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وكيف ستكون نهاية الصراع؟

لم يتحدث احد عن الدولة الفلسطينية وحتمية قيام الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967. والخوف كل الخوف أن يكون اتفاق وقف اطلاق النار وتبادل الأسرى بمراحله الثلاث هو نهاية المطاف، وأن يكون ثمنه هو ما يريده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أى «تعميم مشروع السلام الإبراهيمى» على كل الدول العربية الخليجية ودمج إسرائيل فى نظام إقليمى جديد يضم هذه الدول مع إسرائيل ودول جوار أخرى ووضع نهاية لمشروع الدولة الفلسطينية وإسقاط النظام العربى، فى وضع دخل فيه هذا النظام نحو «نفق مظلم» بعد إسقاط النظام السورى أو سقوطه والتداعيات المؤلمة المحتملة بتقسيم سوريا، وإطلاق أيدى إسرائيل وتركيا فى القيام بمهمة إعادة هندسة النظام الشرق أوسطى تحت الرعاية والقيادة الأمريكية .

ما يدعم هذه المخاوف تلك الإجابة التى وردت على لسان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رداً على سؤال أحد المراسلين فى مؤتمر صحفى حيث قال إنه «غير واثق من أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» سيصمد خلال المراحل الثلاث. تصريح ترامب يعكس أمرين؛ الأول: هو عدم اليقين فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار، حيث تم تأجيل المسائل المعقدة التى لم يكن بالإمكان الاتفاق عليها مثل: إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلى وإعادة الإعمار إلى المراحل التالية. الأمر الثانى هو إفادة ترامب لـ «حماس» بأنه «إذا لم تتوصل إلى اتفاق فإن الولايات المتحدة ستدعم استئناف إسرائيل الحرب».

مستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد مايك والتز كان أكثر صراحة فى كشف معالم الرؤية الأمريكية للمسارات المستقبلية للصراع عندما قال لمحطة «سى إن إن» الأمريكية (24/1/2025) إن حركة «حماس» لن تعود لحكم قطاع غزة مرة أخرى».

ما لم يدركه الأمريكيون ولا الإسرائيليون أن المقاومة خرجت منتصرة كريمة وعصيّة على الانكسار «فالضعيف يعد منتصراً إذا لم يُهزم، فيما يُعد القوى خاسراً إذا لم يحقق أهدافه». وإسرائيل أعلنت هدفها واضحاً من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى هو: إنهاء وجود حركة «حماس» سياسياً، وعسكرياً، لكن المقاومة صمدت بشعبها صموداً أسطورياً لم يعرف التاريخ له مثيلا طيلة 467 يوماً، وفاوضت وفرضت شروطها فى اتفاق وقف إطلاق النار الجارى تنفيذه، فى حين اضطرت إسرائيل لقبول الخروج من قطاع غزة وإنهاء القتال، ولم يجد قائد جيشها الجنرال هرتسيهاليفى بديلاً له عن الاستقالة.

مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين كانت مشاهد مبهرة أكدت فيها حركة «حماس» أنها القوة الحقيقية فى قطاع غزة وأنها ستكون صاحبة الكلمة الأولى فى تحديد معالم «ما بعد اليوم التالى» على نحو ما ورد على لسان القيادى فى «حماس» حسام بدران فى بيان رداً على ما ورد على لسان مايك والتز مستشار الأمن القومى الأمريكى (24/1/2025)، حيث قال: «لن نقبل من أى طرف إقليمى أو دولى أن يفرض علينا كيف ندير شئون قطاع غزة»، وعلى نحو ما نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية (15/1/2025) بقولها إن: «إسرائيل لن تنتصر حتى لو احتلت الشرق الأوسط بأسره»، وتأكيدها بأن هزيمة إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023 هى «هزيمة لا يمكن محوها بأى انتصار عسكرى».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى