قلعة سمعان: جوهرة العمارة البيزنطية وأيقونة الزهد في سوريا

أسماء صبحي
تعد قلعة سمعان، أو كنيسة القديس سمعان العمودي، من أبرز المعالم التاريخية والدينية في سوريا والشرق الأوسط. وتقع القلعة شمال غرب مدينة حلب، بالقرب من بلدة دارة عزة. وتتميز بموقعها على قمة جبل سمعان، ما يضفي عليها رونقًا خاصًا وسط الطبيعة السورية الخلابة. كما تمثل نموذجًا فريدًا يجمع بين العمارة البيزنطية والفن الديني الذي يعكس حياة النسك والتقشف.
تاريخ قلعة سمعان
بنيت القلعة في القرن الخامس الميلادي لتكريم القديس سمعان العمودي، أحد أبرز الزهاد والنساك في التاريخ المسيحي. وعاش القديس سمعان حياةً استثنائية على عمود ارتفاعه 18 مترًا لمدة 37 عامًا، حيث كان يعظ الزوار ويقدم النصائح الروحية. وبعد وفاته عام 459 م، قرر المسيحيون في المنطقة تشييد كنيسة ضخمة تحيط بموقع العمود الذي عاش عليه لتكون مزارًا دينيًا ومكانًا للحج.
وتعد القلعة واحدة من أعظم المعالم المعمارية البيزنطية في سوريا. كما تتألف من مجمع معماري مهيب يضم أربع كنائس تتوزع حول ساحة مركزية ضخمة. وفي وسط الساحة، توجد بقايا العمود الشهير الذي عاش عليه القديس.
ويبرز التصميم مزيجًا بين الهندسة المعمارية الفريدة والزخارف الغنية التي تعكس الدقة والإبداع. وتظهر الجدران الحجرية المزخرفة، والأقواس العالية، والنوافذ الكبيرة براعة المهندسين البيزنطيين.
الأهمية التاريخية والدينية
تمثل القلعة رمزًا للتقوى المسيحية والتاريخ البيزنطي في سوريا. ولم تكن القلعة مجرد مكان للعبادة، بل كانت مركزًا دينيًا وثقافيًا استقطب الحجاج من كافة أنحاء العالم المسيحي. كما ينظر إليها كواحدة من أهم الأمثلة الحية على نمط حياة النساك في التاريخ المسيحي.
وتعرضت قلعة سمعان لأضرار كبيرة خلال النزاعات المسلحة التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة. حيث تضررت بعض أجزائها بفعل القصف والإهمال. كما تعمل حاليًا منظمات دولية ومحلية على توثيق وترميم ما تبقى من القلعة للحفاظ عليها كجزء من التراث العالمي.
ويقول الدكتور خالد الأسعد، عالم الآثار السوري، إن قلعة سمعان ليس فقط شاهدًا على التاريخ المسيحي بل أيضًا على تطور العمارة في العصر البيزنطي. كما يمثل الحفاظ عليها واجبًا عالميًا لأنها إرث إنساني يتجاوز الحدود الوطنية.
وأضاف أن القلعة تمثل مزيجًا رائعًا من الفن والتاريخ والروحانية. إنها ليست مجرد أطلال حجرية، بل قصة تحكي حياة زاهد استطاع أن يؤثر في العالم المسيحي، وتجربة معمارية تلهم كل من يزورها. ويعد الحفاظ على هذا المعلم التاريخي ضرورة ثقافية ودينية لأنه يعكس هوية حضارية غنية لسوريا والشرق الأوسط.