تاريخ ومزارات

جامع السنة بالرباط: تحفة معمارية تروي تاريخ العاصمة

في العقد الثامن من حياته، يعكس الحاج علي مشاعر عميقة تجاه جامع السنة بالعاصمة الرباط، وهو يتحدث بابتسامة مفعمة بالحب والارتياح قائلاً إن صدره ينشرح بمجرد دخوله إلى هذا المسجد. بنظرة مليئة بالإعجاب وكف ممدودة، يشير إلى فناء المسجد المفتوح على السماء، الذي تتلألأ فسيفساؤه الخضراء تحت أشعة شمس الربيع المعتدلة، حيث يشكل هذا الصحن مساحة مميزة تضفي جمالًا خاصًا على الجامع.

 موقع استراتيجي بقلب العاصمة

يتميز جامع السنة بموقعه الاستثنائي في تقاطع شارع محمد الخامس، الشريان الرئيسي للعاصمة، وشارع الحسن الأول، بالقرب من القصر الملكي وبمحاذاة سور تواركة. خلف المسجد تقع منطقة الحي الإداري، التي تحتضن مقرات الوزارات والمؤسسات الثقافية والإدارية الكبرى، مثل مقر الإذاعة الوطنية ومتحف الفن المعاصر.

يجعل هذا الموقع أذان المسجد دعوة يتردد صداها في أرجاء العاصمة، حيث يتوجه إليه أغلب المصلين من الموظفين الذين يحرصون على ارتداء ملابس أنيقة وربطات عنق خلال أيام العمل، بينما يتزينون بالجلباب التقليدي والبلغة في يوم الجمعة، ليضفي ذلك لمسة تراثية جميلة على المشهد.

 تصميم معماري يجمع بين الأصالة والإبداع

وفي هذا الصدد قال الباحث في التاريخ هشام لحرش، أن مسجد السنة يمتد على مساحة 5565 مترًا مربعًا، ما يجعله ثاني أكبر مساجد العاصمة بعد مسجد حسان. يتميز بتصميم معماري يعكس عبقرية الهندسة المغربية، بدءًا من بابه النحاسي المزخرف وصولًا إلى صومعته الرباعية التي تستوحي تصميمها من شكل الكعبة.

الصومعة مكونة من ثلاثة أجزاء رئيسية: البدن والفحل والجامور، حيث يرمز الأخير إلى الشمس والأرض والقمر. وتحترم الصومعة المعادلة الهندسية الذهبية، حيث يكون قطرها خمس طولها، مما يمنحها تناسقًا بصريًا جذابًا.

فضاءات تفاعلية تجمع بين التراث والحياة

كما تمتد خارج المسجد، ساحة عمومية تمتلئ بالمصلين خلال صلاة الجمعة والتراويح، فيما يزين مدخل المسجد الرئيسي بهو موازٍ للقبلة كان يضم غرفًا لإيواء طلبة العلم. يتوسط المسجد صحن مربع الشكل تتوزع فيه نافورتان رخاميتان مغطاتان بقباب خشبية منقوشة، تضفيان أجواءً من السكينة والجمال.

يظهر داخل المسجد،  بلاط المحراب المزين والممرات المستطيلة التي تعرف بالأساكيب، والتي تعكس تصميمًا هندسيًا فريدًا. الأسقف الخشبية المستطيلة، التي يطلق عليها اسم “برشلة”، تضفي على المكان لمسة من الرقي، بينما تتميز الأقواس الجبسية وسواري الفسيفساء بتفاصيلها الدقيقة التي تجمع بين الفن المغربي والتراث الأوروبي.

يختزن جامع السنة في كل زاوية منه حكايات عريقة وحقبًا تاريخية متنوعة، حيث يجمع بين عناصر العمارة الإسلامية والمغربية والأوروبية. ومع موقعه المميز وتصميمه البديع، يبقى هذا المسجد شاهدًا حيًا على تاريخ العاصمة الرباط، ووجهة تجمع بين الروحانية والجمال المعماري الذي يأسر القلوب ويخطف الأنظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى