مدينة تانيس: المدينة الفرعونية المفقودة وأسرارها التاريخية

أسماء صبحي
تقع مدينة تانيس (المعروفة أيضًا باسم صان الحجر) في دلتا النيل في شمال مصر. وتعتبر من أبرز المواقع الأثرية التي تعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة. وتم تأسيس المدينة في فترة قديمة جدًا، لكن ازدهرت بشكل خاص في الفترات المتأخرة من العصر الفرعوني، وخاصة في الأسرة 21 والأسرة 22. كما كانت تانيس، في فترات معينة، العاصمة المصرية والمركز الديني والتجاري الكبير، مما جعلها واحدة من أهم المدن في التاريخ الفرعوني.
مدينة تانيس كمركز ديني
تعتبر تانيس من أهم المدن التي لعبت دورًا دينيًا بارزًا في تاريخ مصر. حيث كانت المدينة مركزًا لعبادة الآلهة المصرية القديمة، خصوصًا الإله آمون. كما احتوت على العديد من المعابد الكبرى التي كانت مكرسة للآلهة المختلفة.
وأروع ما يميز معابد تانيس هو ما تبقى من معبد الإله آمون الذي كان يشتهر بعظمته وزخارفه التي تمثل فن العمارة المصري القديم. ولقد تم تدمير العديد من هذه المعابد مع مرور الزمن، لكن الآثار التي تم اكتشافها تكشف لنا عن مدى الأهمية الدينية للمدينة في تلك الحقبة.
وعلى مر العصور، كانت تانيس محط اهتمام العديد من علماء الآثار الذين عملوا في الحفريات التي بدأت في القرن التاسع عشر. وفي عام 1939، كان الاكتشاف الأكبر في تانيس عندما تم العثور على مقابر لملوك وملكات تانيس في معبد آمون، التي كانت في حالة محفوظة إلى حد كبير.
وكانت هذه المقابر محط دهشة العلماء، حيث تحتوي على العديد من التوابيت المصنوعة من الحجر أو الخشب. والتي كانت مزخرفة بزخارف دقيقة ونقوش تمثل الملوك وأسرهم في الحياة وبعد الموت.
أبرز الاكتشافات
ومن أهم الاكتشافات التي تمت في تانيس كان العثور على تابوت الملك شاشانق الأول. الذي يعتقد أنه أول من أسس الأسرة 22 في مصر. وكان هذا التابوت يحتوي على العديد من الكنوز والأواني الذهبية التي تشير إلى المكانة الرفيعة للملك وأسرته. كما تم العثور على العديد من التماثيل التي تمثل الملوك الفراعنة الذين حكموا المدينة. بالإضافة إلى أجزاء من المعابد التي كانت قد دُمرت على مر العصور.
ومن أبرز الاكتشافات أيضًا تابوت الملك شباتا، الذي كان يُعتبر من أحد أبرز الملوك في تانيس. كما احتوى تابوت الملك شباتا على العديد من المقتنيات الثمينة، التي كانت تُستخدم في الطقوس الدينية في تلك الفترة. وتم العثور على تماثيل ضخمة تمثل الملك في أوضاع مختلفة، مما يعكس تأثيره الكبير في مصر القديمة.
لم تكن مدينة تانيس مركزًا دينيًا فقط، بل أيضًا كانت مركزًا سياسيًا كبيرًا في تاريخ مصر. وفي فترة الأسرة 21 و22، كانت المدينة بمثابة العاصمة السياسية للبلاد. كما تم العثور على العديد من النقوش التي تعود لهذه الفترة، وتوضح كيفية تأثير حكام تانيس في السياسة الداخلية والخارجية لمصر. وكانت المدينة تتفاعل مع الدول المجاورة مثل فلسطين وسوريا، وتدير التجارة مع العديد من المدن.
البنية المعمارية للمدينة
بنيت مدينة تانيس على تصميم معماري يُظهر براعة الفراعنة في التنظيم. وكان يتم تزيين المعابد والقصور بنقوش دقيقة، تعكس الدقة في الرسم والمعمار في تلك الحقبة. كما كان للمدينة سور دفاعي ضخم يحيط بها لحمايتها من أي هجوم خارجي. وتم استخدام الحجر الرملي واللبن في بناء هذه المباني، مما جعلها صامدة حتى بعد مرور آلاف السنين.
وتعتبر تانيس اليوم مصدرًا مهمًا لفهم تاريخ مصر القديمة. وتكشف الدراسات الحديثة حول الموقع عن الدور الذي لعبته المدينة في تطور الدين، الاقتصاد، والسياسة في تلك الحقبة. كما أن النقوش والمعابد المكتشفة في الموقع تساعد العلماء في فهم كيفية تنظيم المجتمع المصري في الفترات المتأخرة من العصور الفرعونية.
ويقول الدكتور يوسف علي، أستاذ الآثار في جامعة القاهرة، إن مدينة تانيس ليست مجرد موقع أثري آخر. بل هي مفتاح لفهم فترة هامة في تاريخ مصر القديمة. كما أن الاكتشافات التي تمت في هذه المدينة تقدم رؤى رائعة عن تطور الدين والسياسة في العصور الفرعونية المتأخرة. وتقدم لنا المعابد والنقوش في تانيس معلومات عن الحضارة المصرية التي كانت في تفاعل مستمر مع جيرانها في الشرق الأدنى القديم.