“قاعة المحاكمة أمام أوزير” الميزان وريشة ماعت في الحضارة المصرية القديمة
كتبت شيماء طه
تمثل قاعة المحاكمة أمام أوزير واحدة من أبرز المشاهد الرمزية والروحية في العقيدة المصرية القديمة، حيث ترتبط بفكرة العدالة الإلهية ومصير الروح في العالم الآخر.
تُعبر هذه القاعة عن اعتقاد المصريين القدماء بأن الحياة ليست نهاية الرحلة، بل مرحلة تمهد لحياة أبدية تتحقق بعد اجتياز اختبارات أخلاقية وروحية أمام الإله أوزير.
“محاكمة الروح” مشهد العدالة الإلهية
بعد وفاة الإنسان، كانت الروح تُقاد إلى قاعة المحاكمة التي تُعرف باسم “قاعة الحقيقة” أو “قاعة العدالة”.
يتوسط القاعة الإله أوزير، حاكم العالم الآخر وقاضي الأرواح، جالسًا على عرشه محاطًا بآلهة أخرى مثل إيزيس ونفتيس. يتمثل دور أوزير في الحكم على الروح وتحديد مصيرها بناءً على أفعالها في الحياة الدنيا.
“الميزان وريشة ماعت” رمز العدالة
الميزان هو العنصر الأهم في المحاكمة، حيث يُستخدم لوزن قلب المتوفى، الذي كان المصريون القدماء يعتقدون أنه مقر الأفكار والمشاعر والأفعال.
يُوضع القلب في كفة الميزان، وفي الكفة الأخرى توضع ريشة ماعت، التي ترمز إلى العدالة والحق والنظام الكوني. تمثل ماعت مفهوماً مقدساً في مصر القديمة، حيث تجسد القوانين الإلهية التي تحكم الكون.
إذا تساوت كفة القلب مع ريشة ماعت، يُعتبر المتوفى شخصًا صالحًا ويتم منحه الحق في دخول العالم الآخر والعيش في الحقول المباركة المعروفة باسم “حقول إيارو”. أما إذا كانت كفة القلب أثقل، فهذا يعني أن المتوفى ارتكب ذنوبًا وأن أفعاله لم تتماشى مع مبادئ العدالة، فيُحكم عليه بالفناء الأبدي.
دور الآلهة في المحاكمة
تظهر العديد من الآلهة في قاعة المحاكمة لتأدية أدوار محددة.
الإله تحوت، رب الحكمة والكتابة، يُسجل نتائج المحاكمة ويدون كل تفاصيلها. كما يظهر الإله أنوبيس، رب التحنيط، وهو المسؤول عن قيادة الروح إلى القاعة وإجراء عملية الوزن. في حال كانت النتيجة سلبية، يُسلم القلب إلى وحش مخيف يُدعى “عامت”، وهو مزيج من التمساح، والأسد، وفرس النهر، ليبتلع القلب ويدمر الروح.
النصوص الدينية ووصف للمحاكمة
وُثقت عملية المحاكمة في “كتاب الموتى”، وهو مجموعة من النصوص الدينية التي تُوجه الروح في رحلتها إلى العالم الآخر. يتضمن الكتاب نصوصاً تُعرف بـ”اعترافات النفي”، حيث يعلن المتوفى براءته من الخطايا أمام الآلهة. تشمل هذه الاعترافات قول عبارات مثل: “لم أسرق، لم أقتل، لم أكذب، لم ألوث مياه النهر.” هذه الإعترافات تُظهر التزام المصري القديم بقيم الأخلاق والعدالة.
رمزية المحاكمة في الثقافة المصرية
تمثل قاعة المحاكمة أمام أوزير مفهوم العدالة الإلهية المرتبط بحياة الإنسان وسلوكه الأخلاقي.
إعتقد المصريون القدماء أن الإلتزام بمبادئ ماعت في الحياة يؤدي إلى تحقيق السلام الأبدي في العالم الآخر، بينما يؤدي الإخلال بها إلى الهلاك.
كانت قاعة المحاكمة أمام أوزير تعكس إيمان المصريين القدماء بقوة العدالة والحق.