فنون و ادب

كوثر نجم …. شاعرة الظل والنسيان رائدة الشعر الحر  … في ليبيا

ورحلة القلم النسائي المصرى/ الليبي ( 1937-2012م )

 

حاتم عبدالهادى السيد

 

تطبيقات الحداثة الشعرية

ظهرت حركة الشعر الحر، أو الشعر المرسل ، أو نظام المقطوعات، أو الشعر الجديد  – كما أرى نتيجة لحركة التحررات العربية من ربقة الإستعمار بعد الحرب العالمية الثانية ( ذ954-1974م).  الى جانب حركات التمرد والرفض وظهور حركات النضال الوطنى  بحثاً عن الحرية و تحقيق الإستقلال،  للشعوب العربية، خاصة  قبل، وبعد انشاء الجامعة العربية، وظهور فكرة القومية العربية، وغير ذلك . ونظرا لحركات التمرد العربية والدفاع عن القضايا القومية الكبرى ظهرت فكرة التمرد  على كل قديم بغية تحقيق النهضة المنشودة.

ولقد تأثرت القصيدة العربية – حالها كحال المجتمعات آنذاك – بتلك الأفكار التى سادت المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج، فطالت حركة التمرد والتغيير، فكانت الثورة على كل القيود، ومنها قيد القافية ، وحصر قضايا الإبداع والشعر في القوالب القديمة كعمود الشعر، عابرة الشكل الى المضمون كذلك لتمثل ثورة في الفكر والإرادة الإبداعية العربية لتساوق حركة التحديث المجتمعية ، خاصة بعد حصول كثير من الشعوب على الإستقلال بعد عصور النضالن والمعارك والدماء التى  سالت لتروى الصحارى العربية على اتساعها، ولاشك أن ليبيا كانت واحدة من هذه الشعوب التى ناهضت الإستعمار الإيطالى ن وأبى الثوار إلا تحقيق النصر وطرد المستعمرين لتتحرر الشعوب وتسعى لتحقيق التنمية المنشودة لغد أفضل جديد.

وللحقيقة فقد استفادت الشعوب من الإستعمار – آنذاك – نتيجة للتقدم الذى أظهره فى الفكر العسكرى والسياسى آنذاك، الى جانب إطلاع كثير من الليبيين على لغة وثقافة المستعمر، بل أن  الكثير منهم قد تعلموا اللغة الإيطالية واطلعوا الى النهضة التى  نشأت في دول اوروبا والغرب وغير ذلك .

ومن هذه المنطلقات، وغيرها ، تحررت ليبيا ، وبدأ بناء المجتمع وتكوين المؤسسات وبناء الدولة العصرية ، شانها شأن الشعوب العربية إذ كان الإستعمار الفرنسى الى الجوار في دول المغرب العربى، والإستعمار البريطانى في مصر وغيرها ن فتداخلت ثقافة المستعمر  الوافد بثقافة المحلى المقيم – وإن كنتا لم تنصهرا نتيجة لتخالفية الدين والعقيدة والقيم العربية، إلا أننا لن نكون منصفين إذا أبعدنا ذلك الجانب عند حديثنا عن النهضة العربية الحديثة .

ولقد ظهر الشعر الحر كثورة على الشكل التقليدى في القافية والبناء الشعرى، بل وفى الموسيقا، وفى تجاوز البلاغة القديمة الى بلاغة جديدة استدعتها الظروف المجتمعية ، نتيجة للنقلة النوعية وتحول المجتمع  بعد عصور الإستعمار الى مرحلة جديدة، فتغير الخطاب، وتغيرت المظاهر الحضارية والثقافية التى طالت كل جوانب المجتمعات العربية آنذاك .

لقد  تجاوزت  هذه النهضة الشعرية حدود الإقليمية- كما يقول بعض النقاد العرب – لتصبح نقلة فنية وحضارية عامة في الشعر العربي ، ولم تمض سنوات قلائل حتى شكل هذا اللون الجديد من الشعر مدرسة شعرية جديدة حطمت كل القيود المفروضة على القصيدة العربية ، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة  إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقاً، وأوسع رؤية وتحديثاً .

لقد جاءت خمسينيات هذا القرن بالشكل الجديد للقصيدة العربية ، وكانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينيات ، بل ولا نكون مبالغين ( إذا قلنا ) في الثلاثينيات ،من أجل التحرك إلى مرحلة جديدة ، مدعاة للبحث عن أشكال جديدة في التعبير ، لتواكب هذا الجديد من الفكر المرن … وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين ، وترسخت بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا ( بنازك الملائكة والسياب والبياني ) في العراق في الأربعينيات ، ثم ما لبثت هذه الدائرة أن اتسعت في الخمسينيات فضمت إليهم شعراء مصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازي ، أمل دنقل ،محمود حسن إسماعيل ، وغيرهم ،وفي لبنان ظهر على أحمد سعيد ( أدونيس ) وخليل حاوي ويوسف الخال ، وكذلك فدوى طوقان ،سلمى الخضراء الجيوسي، محمود درويشن سميح القاسم في فلسطين ، نزار قباني في سوريا، وفي السودان محمد الفيتوري وصلاح محمد إبراهيم ومحي الدين فارس ، وفى ليبيا في الخمسينات نشرت / كوثر نجم أشعارها على صفحات جريدة الرائد ، ثم أصدرت بعد ذلك ديوان “فجر وغيوم “عام 1965م والذى يعد أول ديوان شعر مطبوع في ليبيا ، ثم تلته بديوانها : ” نداء المعركة ” عام 1968 م ،لتكتمل حلقة التأريخ العربى  لمسيرة الشعر الحر آنذاك، ولعلنا نشير الى أن نازك الملائكة – العراقية – قد نشرت أول قصيدة لها ” الكوليرا” في تشرين الأول سنة 1947م ، كما نشر بدر شاكر السياب قصيدته (هل كان حباً)،  في ديوانه: ” أزهار ذابلة” ، الصادر في كانون الأول سنة 1947م  ،بينما نشر عبدالوهاب البياتى ديوانه (ملائكة وشياطين) سنة 1950م ،ثم توالت بعد ذلك الدواوين الشعرية فى كل أرجاء الوطن العربى .

كوثر نجم والحداثة الليبية

أصدرت الشاعرة / كوثر نجم ديوانان هما : فجر وغيوم صدر عام 1965 م، و نداء المعركة عام 1968 م،  الى جانب العديد من القصائد التى نشرتها في الصحف والمحلات الليبية كصحيفة الرائد وغيرها في بداية الخمسينات 1950م ، كما قدمت لليبيا وللوطن العربى مئات المقالات التى تناصر قضايا المرأة والعرب والأفارقة،كما قدمت حياتها  للدفاع عن مشروعها النضالى التحررى للمرأة العربية ، ولقضايانا العروبية والوطنية الكبرى . ولقد كتب عن مسيرتها بعض النقاد والكتّاب الليبيين والفلسطينيين وغيرهم، ومن هؤلاء: الشاعر الفلسطينى ” معين بسيسو” في كتابه : ” عطر الأرض والناس في الشعر الليبى المعاصر ” ،والكاتب / يوسف القويرى في كتابه :” في الأدب والحياة ” ، كما كُتِبَ عنها  في كتاب ” دليل المؤلفين الليبيين المعاصرين” ، كما كتبت  مقالات معدودة عن دورها في عدة صحف ليبية، وفى بعض كتب أخرى .

وكوثر نجم 🙁 كوثر على محمد نجم ) لمن لا يعرفها، هى مواطنة مصرية الأصل، ولدت فى القاهرة عام 1937م، وحازت ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية فى دار العلوم بجامعة القاهرة،ثم تزوجت من الأديب والناقد الليبى/على أبوزقية وسافرت الى ليبيا،ولم ترجع الى مصر بعد ذلك ، ولقد حصلت على الجنسية الليبية أيام الملك ادريس السنوسى عام 1957م، كما كانت احدى المدافعات عن قضايا المرأة فى مصر وليبيا والعالم العربى، وحصلت على ليسانس الحقوق في طرابلس،ثم ماجستير علم النفس- كلية التربية بطرابلس. وقد توفيت في ديسمبر 2012م عن عمر يناهز 75 عاماً ، وقد كان زوجها معارضاً للرئيس معمر القذافى فترك ليبيا الى الجزائر ، وهاجر أولادها الى أمريكا  ومصر، وتشتت شمل الأسرة بسبب النضال الوطنى الكبير .

ولقد  كانت للشاعرة نبوءة خاصة، فقد تنبأ قلبها الصغير وهى لا زالت طالبة بمصير حياتها النضالى، ومعاناتها ، وقد ظهرت تلك النبوءة في قصيدتها الحزينة الجميلة المشرقة” ياقلب ” ، وكان قلبها الأخضر الرقيق النابض ينبئها – دون أن تدرى – بمصيرها الحياتى الذى سيتحقق فيما بعد، تقول في  قصيدتها : ” ياقلب ” والتي نشرتها بمجلة ” كلية دار العلوم بالقاهرة ن حيث تنبأت فيها برحلة العذاب، والسجن والقهر، لكنها كانت مصرة على المضى في الطريق حتى النهاية، تسوقها الأقدار – كما ذكرت- ، ولعل القصيدة من شعر المربعات، او المقاطع التى ظهرت في بدايات الشعر الحر، فكل مقطع يحوى موقفاً ورؤية ، ثم تتكامل الرؤى عبر الصورة الكلية التى  ينتضمها العنوان ، لنداء القلب الحزين، وهذا يشير – منذ البداية – الى شاعريتها، ومعرفتها بالشعر الجديد، وكيف لا تعرف وهى – الدرعمية- ( أى التى تدرس في دار العلوم ،أعرق الكليات العربية في الوطن العربى ) ،تقول :

إيه ياقلب هل تجيب ندائى؟

هل ينير اليقين أفق سمائى

أم على الشك يستحيل رجائى

ذكريات سبحن عبر الفناء

ومضى فجرها وولى النهار

*****

همسات الأطيار ملء الصباح

جاثمات.. على الربى والبطاح!

ملأت دربها بنور الكفاح!

وامتطت للحياة متن الرياح

لم تعقها عن المنى أخطار !

*****

أين عمرى وذاك عمرى يضيع!

وحياتى .. تلهّفٌ  وشموع !

كلها أطفئت بعرس الربيع!

وحياتى قضبان سجن منيع!

أين من سجنى الرهيب الفرار !

*****

يا فؤاداً يذوب في أفكارى!

وشجوناً .. أبثها أشعرى

وغداً شاحب الرؤى والجوار !

سوف أمضى وألتقى أقدارى

ولتمزق ظلامى الأنوار ! .

وشاعرتنا / كوثر نجم واحدة من المدافعات عن حقوق المرأة في ليبيا ، كما تشابكت مع كل القضايا العربية القومية في كتابتها ، وفى أشعارها ، فكتبت عن ما تعرضت له مصر وهي في نشوة فرحتها بتأميم القناة، وبخروج الإنجليز من مصر، كما كتبت عن القضية الفلسطينية، وعن غينيا ،وقضايا الأفارقة، وعن فيتنام ، وعن القضايا الإنسانية الكبرى التى تنشد الحرية ، وتنشد تخليص المرأة الليبية والعربية من سطوة الرجل ، ونادت بدخول المرأة الى البرلمان،والمشاركة في كل القضايا والمناصب العامة والخاصة في ليبيا. ولعل دورها الرائد نراه في كتاب ” صور من الشعر الليبى المعاصر ” للشاعر والناقد الليبى / خالد زغيبة الذى قال : “إن كوثر نجم” الشاعرة المناضلة، ارتبطت بقضايا الجماهير العربية في ليبيا، إلى جانب ارتباطها بالقضايا العربية الانسانية، وأعتبرها ممن حملوا “مشعل التجديد في الشعر العربي المعاصر”، إلى جانب الشعراء المعاصرين في ليبيا”، وفي تناوله لديوانها الأول (فجر وغيوم) يقول : أنها لم تضع له هذا الاسم اعتباطا، فهى ترمز بالفجر إلى فجر الثورة، وفجر الحرية، وطريق النضال من أجل الوصول إلى الغد المشرق.

شاعرة الظل والنسيان

ولقد أسمتها الشاعرة المغربية / فاطمة بوهراكة : ” شاعرة الظل والنسيان ” – على الرغم من دورها الريادى المعروف ،وذلك لأن السلطات الليبية كذلك تعمدت إخفاء تاريخها النضالى لأسباب سياسية،- كما هو الحال للمناضلين في كل العالم – ، وللحقيقة فإن الشاعرة ” فاطمة بوهراكة” هي من فتحت باب السؤال عن هذه الشاعرة وبحثت عنها ، واتصلت بابنة الشاعرة السيدة د. /وسام على أبو زقية،كما ساعدها – في ذلك – لفيف من الأصدقاء والصديقات، منهم الكاتبة الليبية / حواء القمودى التى كتبت عنها مقالاً رائعاً ، وكان للدكتور “يوسف أوغليسي” من الجزائر الشقيقة فضل تنبيهها وإحالتها لكتاب المبدعة الليبية ” شريفة القيادي” في كتابها :(رحلة القلم النسائي الليبي)، والتي  ضمنت فيه مدخلاً هاماً للحديث عن الشاعرة “كوثر نجم” تقول :  كان من العوامل التي أدت إلى إحداث لون من الحركة والتأثر في واقع الحياة النسائية الثقافية الليبية  في الخمسينات وتنشيط الكتابة الصحفية ولفت الأنظار إلى عوالم حياتية جديدة قدوم السيدة كوثر نجم المصرية الأصل والتي كانت معنية بقضايا المرأة الليبية وحاولت أن توجد مكاناً للمرأة اللبيبة الحديثة في المجتمع الذي تعيش فيه حيث أنها- والقادم من مجتمع أو نظام آخر ،يلاحظ أكثر من المنتمي المقيم ،في المجتمع المعين- لاحظت ما عليه المرأة الليبية من ظلم وما يحيق بها من اجحاف وطمس لشخصيتها،ويتسم انتاج السيدة نجم في مقالاتها الكثيرة بالصدق والإخلاص.

ولقد أرادت فاطمة بوهراكة أن توثق لمسيرة الشاعرة ضمن اصدارها : “موسوعة الشعر النسائي الفصيح” الا أنها كتبت متسائلة بدهشة شديدة : يظل مسار/ كوثر نجم التوثيقي منعطفا غامضا لم يُحَلّْ بعد ،سواء من قبل المصريين الذين يجهلونها، أو الليبيين الذين يتحدثون عنها باقتضاب شديد”.

عقبات اجتماعية وسياسية في حياة المبدعة

ولعلنا نلمح أن الشاعرة / كوثر نجم قد لاقت معارضة شديدة في الإعتراف بريادتها ودورها ، كونها مصرية ، ولعل هذا الحقد العنصرى القبلى ، – كما أسميه – قد حداها أن تكون في الظل والنسيان ، على الرغم من اخلاصها العميق لليبيا ، كما أن هجرتها الى ليبيا وعدم عودتها حتى وفاتها قد أكسبتنا عدم معرفة بتاريخها وريادتها كذلك ، لذا لا غرو أن يتم انكار ريادتها من قبل كثير من الأدباء والكتاب المتعصبين هناك، ومع وجود كتاب منصفين أيضاً الا أن مسألة كونها مصرية لم يشفع لها مع مقالاتها وشعرها وتكريس حياتها لليبيا في اإعتراف لها بالريادة ، فأن تعيش في بلد عربى، وتأخذ جنسيته، لا يعطيك الحق في أن تنسلخ من جذورك، وأن تهاجر الشاعرة / كوثر محمد نجم الى ليبيا، وتتزوج من القاص والناقد الليبى والمثقف المعروف / على أبوزقية لا يعطيها الحق أن تؤرخ باسمها ريادة للشعر الليبى المعاصر – على حد قول – الكاتب الليبى د. / عبدالله مليطان. ولعل أول ديوان شعر مطبوع في ليبيا هو ديوانها : “فجر وغيوم “، ثم تلاه ديوان ” نداء المعركة ” ، وهذا ما حدا بالشاعرة المغربية / فاطمة بوهراكة أن تعدها رائدة الشعر الليبى المعاصر في كتابها : ” موسوعة الشعر النسائي العربي الفصيح ” ، لكن الدكتور المليطان قد انتفض لليبيته  بقوله : ” إن الشاعرة “كوثر نجم” التي شاءت الأقدار أن تتزوج من مثقف وكاتب ليبى معروف، وتنجب أولاداً وبنات لهم قيمة ومقام ،وتنشر شعرها في ليبيا هي شاعرة مصرية ، لا ليبية، مؤكداً أن  التأريخ لريادة مولد الشعر الليبي النسوي كان على يد الشاعرة / فوزية شلابى في قصيدتها (أحبك بصعوبة) كأول ديوان مطبوع لشاعرة ليبية عام 1984م. وأياً كان الأمر فأقول : هلا بالشاعرة ومصريتها، فمصر لا تنسى بناتها ،وشاعراتها ومناضلاتها ، وفخر لمصر أن تنجح شاعرة وكاتبة ومناضلة في دولة شقيقة حبيبة كليبيا ، وعلى ضوء ذلك – ومعرفتنا  بهذه الشاعرة مؤخراً ، فاننا نقول : إذا كانت حركة الشعر الحر التى بدأتها نازك الملائكة في العراق هى المعروفة في التاريخ مع غيرها من الشعراء ، فان الشاعرة المصرية / كوثر محمد نجم تعد بذلك من رواد كتابة ذلك الشعر الحر، الجديد آنذاك، وتكون لها الريادة العربية ، لا الليبية والمصرية فحسب ، في تأسيس حركة الشعر الحر ، حيث كتبت قصائدها في الخمسينات وتوالى نشرها على صفحات جريدة ” الرائد ” الليبية”، كما كانت تنشر مقالاتها وقصائدها في مجلة كلية دار العلوم المصرية – قبل نزوحها من مصر- ، وجريدة الرسالة المصرية، وجريدة الأديب في بيروت ،وغيرها من المجلات والصحف الليبية والعربية آنذاك ، ومن القصائد الجميلة التى نشرتها / كوثر نجم في جريدة الرائد بتاريخ 3- مايو 1959م قصيدة :(إلى ابنتي)، وهي قصيدة متميزة وتضج بتلك الروح الثورية، تبدأ بحنو ورقة لتتصاعد وتيرتها حتى تبلغ الذروة في مقطعها الأخيرتقول  :

صغيرتي لأنني أحبّ أن أراك تبسمين
قريرة العيون
سعيدة الفؤاد والجبين
لأنني أود أن أراك تنعمين
بالعيش بين قوم
هانئين آمنين،
سأشرع البيان
يحطم الطغيان
ويرسم الطريق
في جلال
لموكب الأجيال
كي تنتهي حكاية
الجياع والعراة
وتثمر الأغصان
لزارع الأغصان.

ولعل المصادفة الجميلة ما ذكره لى الصديق الروائى المصرى الجميل أ/ السيد نجم ، حين أعلمته بأننى بصدد عمل دراسة عن شاعرة تدعى /كوثر نجم، فأخبرنى بأنها عمته، وقد طلبت منه بأن يمدنى ببعض معلومات عنها فقال :  الشاعرة المناضلة كوثر نجم.. القريبة البعيدة ،هي من عائلة أبى رحمهما الله وفي درجة عمتي. ومنذ أن انتبهت لأفراد العائلة، أعلم أن لي عمة تزوجت من ليبي وتعيش في ليبيا.. ومن بعد رأيتها مرة واحدة، وقد أهدتني ديوانها الأول ( لها ديوانان) وللأسف يتعثر الحصول أو العثور عليه الآن.،أما المرة الثانية التي توقعت فيها زيارتنا ورؤيتها، فقد منعوها في مطار القاهرة لمدة ثلاثة أيام ولم يسمح لها بالدخول.. (في أواخر فترة حكم السادات)، ثم كانت بداية فترة تعرفي عليها كمناضلة وزوجة مناضل ليبي بل وحملت الجنسية الليبية.. ولقد هرب زوجها الى الولايات المتحدة ومات بها ،لكونه من الممنوعين الدخول الى ليبيا لمعارضته نظام القذافي.. وعندما بلغ ولدان له من (كوثر) مبلغ الشباب سافرا اليه ويقيا في الولايات المتحدة حتى الآن. أما بقية اولادها هن ابنتان احداهما صيدلانية  تقيم في ليبيا الآن ومتزوجة ،والأخرى لا تعمل ومتزوجة من ابن عمى ويعيشان فى مدينة الغردقة.. وهى من تواصلت معها ،ووعدتني بالبحث عن تراث أمها إن وجدت، نظراً لتشتت الأسرة كما ذكرت سلفاً. وأظن أن/ كوثر نجم من النماذج النسائية المبدعة على مستوى العالم العربي وتستحق التكريم..وشكراً للناقد / حاتم عبدالهادى السيد لأنك أعطيتني فرصة كتابة تلك الكلمات.

 

الشعر الجديد

رائدة الشعر الحر في ليبيا :

( قراءة في ديوان فجر وغيوم )

تعد الشاعرة الليبية / المصرية/  كوثر محمد  نجم أحد أبرز رواد الشعر الحر في العالم العربى ، فقد كانت من الطليعة الذين أسسوا للشعرية العربية أفقاً تثويرياً فيما عرف بثورة القصيدة العربية ، أو بالشعر الحر الجديد ، لكنها تركت الشعر لتتفرغ الى العمل النضالى للدفاع عن المرأة الليبية  وتحررها ، وقد  نشرت الراحلة / كوثر نجم بعض القصائد في الخمسينات – في الصحف الليبية والمصرية، ثم تلت ذلك بطبع ديوانين يمثلان باكورة الشعر الحر في الخمسينات ،في ليبيا، وهى الفترة المواكبة لحركة التجديد الشعرى العربى .

لقد قدمت الشاعرة للمكتبة العربية ديوانان هما : فجر وغيوم صدر عام 1965 م ، والذى يعد أول ديوان شعر مطبوع في ليبيا كلها – آنذاك – ،وديوان :  نداء المعركة عام 1968 م .، وهما يؤصلان لحركة التجديد ، بل ثورة القصيدة الجديدة على الشعر العمودى ولعل هذا ما ألمح اليه الناقد الليبى / على بوزقية ، حيث قدم لديوانها” فجر وغيوم ” بقوله : ” إن “كوثر نجم” الشاعرة المناضلة ارتبطت بقضايا الجماهير العربية في ليبيا، إلى جانب ارتباطها بالقضايا العربية الانسانية” .( الديوان ص87)، واعتبر الشاعرة ممن حملوامشعل التجديد في الشعر العربي المعاصر، إلى جانب الشعراء المعاصرين في ليبيا، وفي تناوله لديوانها الأول (فجر وغيوم) قال بأنها : “لم تضع له هذا الاسم اعتباطا، بل إنها ترمز بالفجر إلى فجر الثورة ،وفجر الحرية ،وطريق النضال من أجل الوصول إلى الغد المشرق” .( الديوان ص: 89).

وديوان : (فجر وغيوم)  – كما تقول حواء القمودى – : ” ديوان  صغير حوى بين دفتيه إحدى وعشرين قصيدة، تمثل تجربة شاعرة من الجيل الجديد، تحاول تلّمس دروب الإبداع مذ كانت طالبة بكلية دار العلوم في القاهرة، حيث نجد لها قصائد بتاريخ:(1953/1954/1955/1956/1957) أى ان ما كتبته يساوق آنذاك حركة التجديد الشعرى المعاصر فيما عرف بالشعر الحر آنذاك”.
وعن الديوان تقول الناقدة الليبية / حواء القمودى :  إن الجميل في هذا الديوان هو تأريخ القصائد، والذي يشي في المتن أن الشاعرة تريد أن تضع تجربتها بتعثرات البداية ،والتي عادة ما تكون باتباع الخطوات السابقة، وأيضا انتهاج الشكل التقليدي للقصيدة العربية، ولكن رويدا رويدا تظهر الشاعرة، ونلمس تلك المحاولة في البحث عن الصوت الشعري الخاص بها من خلال هذا الشعر الجديد (الشعر الحر) الذي منح فضاءاً أوسع للتعبير عن الذات الشعرية بتنوع القوافي، واستغلال امكانات الصورة الشعرية، وسيظهر هذا في عدة قصائد في الديوان مثل : (همسات حائرة – 1956م) ص32، وثلاث قصائد بتاريخ 1957م، وهي: (أين أحيا ص36- بنت الحياة ص38- نداء الحياة ص43) وقصيدة (نجوى – 1958م- ص50.).

وديوان (فجر وغيوم)، صدر عن: (دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت) الطبعة الأولى

عام/1965م، وقد تصدرته مقدمة بعنوان : ” هذه المجموعة ” حيث كتب “علي أحمد أبو زقية” يقدم هذا الديوان مفتتحاً الحديث عن الشعر العربي الحديث، بقوله :ذلك الشعر الذي بدأ يعرف بميزاته وينعت بخصائصه، فهو إذ يتحرر من التزام الوزن والقافية مقتصرا على التفعيلة المطلقة، لا يهيم بذلك تائها في دنيا غائمة 0( الديوان ص5).(وإنما يعانق أساليب تصويرية وتمثيلية حية، وجدت في الشعر الحديث مجالا رحبا لخصوبتها ونموها) ثم يكون الحديث عن تجربة الشاعرة “كوثر نجم” والتي (بدأت انطلاقا من المشاعر والخواطر الذاتية والحقائق المقررة، مع التزام لقواعد الشعر التقليدي) ص6، ويأتي بنموذج من هذا الشعر، ولكن لن تظل حبيسة في (قواعد الشعر الخليلية التي حبست مشاعرها، وجمدت معانيها) ص7، لكن ستنطلق (إلى معانقة قضايا الناس، وتعايش نضال الجماهير متلاحمة معها أكثر فأكثر) ص7.

وأظن- كما تقول القمودى – أن هذه المقدمة يمكن إدراجها كدراسة عن الديوان، وأيضا الإعلان عن (الشعر الجديد)، والذي من مزاياه كما عبّر عنها (على أبو زقية) في نهاية هذه المقدمة بأن معظم قصائد هذا الديوان (ينتظم في نهج الشعر العربي الحديث، الذى أخذت شاعرتنا تسير فيه بخطى ثابتة وروح شاعرية صادقة تعيش الحياة وقضايا الناس البسطاء بعمق، وتعبر عنها بحرارة وصدق في أسلوب تصويري أخّاذ، قوامه السلاسة والوضوح) ص14 ).

انها الشاعرة المعبرة عن هموم الشعوب المقهورة، الشعوب الباحثة عن الحرية  والنور ، لذا رأيناها تجهر وتصدح بقوة ، تقول :

أي طعم للحياة؟
ها هنا والناس
أحزان تسير
ودبيب الخطو هياب حقير
هاهنا، والظلم أفراح تطير
فوق أشلاء بلادي
وشجون كالتي تفري بلادي.

انها تنادى بالثورة ، الغضب الساطع، البشارة بزوال الظلم عن العرب والمواطن العربى ، والتحرر من القيود التى تطوق وتكمم الأفواه ن لذا جاء شعرها حزيناً ،لكنه يحمل الأمل في ثورة وانتفاضة من أجل الخبز والحرية ، والحياة الكريمة،  مشيرة الى البسطاء، خبز الشعير ، والنوم على الحصير ، لكنها تتشرف النصر ، والأمل في تحقق غد جديد، حيث انتزاع النصر من أيدى الزمان، وهى صور بسيطة عميقة ، ومعانٍ هادرة تخش الى الروح من أقرب طريق ، تقول :

اسألي القلب الكسير
اسألي العش الحقير
اسألي الأسمال في ليل الشتاء
اسأليني واسألي المليون عن
خبز الشعير
ودموع وحصير ….
كفكفي الدمع،
ففي الدمع هوان
ولقد آن الأوان
لانتزاع النصر
من أيدي الزمان.

وفى قصيدتها : ( أنا حُرّ) 1955م، نراها في معية الشباب ، تتحدى الأغلال والقيود، وتجهر بنداء الحرية ، بل تتحدى السلطة والخوف، ولا تخاف من سوط سجان أو قيود ، بل تحطم بروحها الثائرة المناضلة الحدود لتعبر بإصرارها الجمود ، وتشق السكون والخوف معلنة عن قمر الحرية الذى انطلق في ليبيا، وفى أرجاء العالم العربى ، تقول : 

ها هي الأغلال تهوي
وإليها لن أعود
سوف أحيا في حياتي
أنا لا أرضى الجمود
إنني يا دهر حرّ
كيف تغريني القيود؟
سوف أشدو وأغني
بدمي لحن الوجود .

لقد أحبت / كوثر نجم ليبيا، واعتبرتها الوطن الأول، وطنها ، جزء من ترابنا العربى الوطنى،  ولقد تجسد ذلك الحب في كثير من المواقف في الدفاع عن المرأة الليبية وحقوقها حتى مناداتها بأن تكون نائباً في البرلمان ،ولقد وثقت ذلك  الكاتبة “شريفة القيادي” في كتابها (رحلة القلم النسائي الليبي)، تقول عن الشاعرة :  أنها كتبت (في أول انطباعاتها المنشورة بقولها: إنني حديثة عهد بالبيئة الليبية، ولكنني قررت عن طيب خاطر الانتماء إليها ،وبنفس الروح تفاعلت مع ما أتيح لي الإحاطة به من ظروف أهلها)، . ولقد حاولت الشاعرة / كوثر نجم أن تتقرب الى الشعب الليبى منذ نزوحها من مصر ، وإقامتها في ليبيا، فلقد التحقت بصحيفة الرائد الليبية لتكتب عن المرأة وقضاياها ، الى أن حدثت فاجعة سقوط طائرة تدريب أمريكية من قاعدة (هويلس) على إحد مزارع (سوق الجمعة) فأسفرت عن سقوط  الطفلة (امعيتيقة) وراحت ضحية للحادث الأليم ،حيث انهال التراب على جسدها الغض ، فقامت بكتابة  هذه  القصيدة الغاضبة ، في(10 يناير 1959م )، تقول:

امعيتيقة الحلوة يعلوها التراب
عينها اللألأة
اليوم رماد
قلبها الأبيض ذو الخفق الطروب
حدثيني كيف أضحى اليوم فحمة
حدثيني واحبسي الدمع، فما تجدي الدموع
حدثيني، إنما يحرق قلبي
همنا العاجز
مشلول الذراع .

وفى قصيدتها : (الربيع) 1954م، نراها تصوغها بالشعر التقليدى العمودى ، لتمازج بين الأصالة والمعاصرة، بين الحداثة برؤيويتها، والقديم المعتق بأصالته وعبقه، تقول :

ولّى الشتاء ببرده وغيومه
أهلا بعيد النور والإلهام….
في دفئه عطف وفي لمساته
سحر يفوق روائع الأنغام.

لقد كان العدوان الثلاثى على مصر إثر تأميم قناة السويس بمثابة الصدمة لها بعد فرحتها بتأميم القناة ، فقامت تكتب وتستنهض الهمم والمجد العربى ، ولقد أبدعت في مقدمة القصيدة بوصف حياة الناس في بلادها ، ثم عرجت على الحرب وما كان من أمر العدوان الثلاثى الغاشم ، ثم كانت فرحتها قبل ذلك بالتأميم ، أى انها شاعرة قومية عروبية وطنيةن لم تنس كونها مصرية، في الوقوف ولو بقصيدة ضد الأمركة والحروب الغاشمة للتحالف البغيض ( بريطانيا ، فرنسا، أمريكا ) فكتبت  واصفة حال الشعب المصرى – آنذاك – تقول :

قبل الغروب
في روعة الشفق الطروب
والشمس تبسم للوداع
والأفق ينظر في التياع
والكون يبدع في بهاء
متوسلا أن تستجيب
فلا تغيب (الديوان ص :29) .

وفى قصيدتها : ” لومومبا ” نراها تكتب عن كفاح ” شعب الكونغو” ، كما كتبت من قبل عن ” شعب فيتنام” ، وكتبت – في نفس التوقيت – عن نضال الشعب التونسى ضد الإستعمار الفرنسى ، وكتبت كذلك عن نضال الشعب الليبى، وعن بطولات الشعب المصرى لمناهضة قوى الظلام الإمبريالية، كما أسلفنا . . ولومومبا  هو زعيم الكونغو الخالد في وجدان الشعب هناك، حيث تصدى مع الشعب للإستعمار العالمى الذى يريد نهب الثروات ، والإستيلاء على مقدرات الشعوب الإفريقية ، وناضل الشعب في الكونغو، وفى هذا يقول الشاعر الفلسطينى معين بسيسو في كتابه :(عطر الأرض والناس في الشعر الليبي المعاصر) يقول عن قصيدتها هذه: (فهناك وفي الأرض الأفريقية هناك في الكونغو، من كان دمه هو الجواب ،ومن كانت جراحه هي أسلحته… هناك حيث ينتصب “لومومبا” وسط حقول الجراح والنجوم يدافع عن حرية شعبه ويسقط تحت ضربات معذبيه ، تقول :

رفع الراية ثوار
“بالوبا”
نفخ البوق
” كارنجا”
رنت الأصداء في غينيا ومالي
هبت القارة في وجه المجازر
مرحبا بالحرب من أجل السلام…) ص89

وهذه القصيدة كتبتها الشاعرة عام 1961م، – كما تقول أ / حواء القمودى – وهو نفس العام الذي كتبت فيه قصيدتها الأسيانة الجارحة بوجعها عن الشاعر الليبي الكبير “رفيق المهدوي” والذي تزامنت ذكرى أربعينيته مع (ثورة الشعب التونسي الشقيق، ونضاله لتحرير بلاده من قاعدة الاستعمار الفرنسي (بنزرت)، فتجاوبت شاعرتنا معها بحرارة وإخلاص) ص13، وتبدأ الشاعرة قصيدتها بهذا النداء الموشى بالأسى، تقول :

يا ثائر القيثار هل مات النغم؟
هل طفت فوقك أمواج العدم؟
كلنا ندعوك أضنانا الألم
من سكوت وبكم (الديوان ص: 89).)

وتواصل / كوثر نجم النداء ، فتقول :

يا رفيق لم يكن
إلا رفيقا
لبني الشعب ونارا
بل حريقا
يأكل الطغيان
يصليه الحمم
من بيان وكَلِم
صادق النبرة
عملاق القمم (ص90)

ولتواصل القصيدة انهمارها في مقطع ثانٍ يبدأ بالنداء، فهى لن تبكى ، ولكنها تستلهم منه الشموخ والإباء، والكرامة والعزة والفخار ، تقول :

يا رفيق
لست أبكيك
بدمع ونحيب
إنما نحييك ذكرى لا تغيب
تبعث الإقدام فينا
والشّمم (ص92) . ).

ولتنهي قصيدتها عن حادثة (بنزرت) لتؤكد أن غياب شاعر مثله يترك ذاك الفراغ الموحش، فمن مثل رفيق يستطيع أن يصدح بالحق، تقول :

هذه بنزرت في يوم الخلود
وقوافينا جمود
أين أبياتك
تمضي وتعود
تلهب النار
فتحتاج السدود
تضع المجد
على هام الجنود
فإذا الأرض لنا
كل شبر ملكنا. (ص93 ).

( ولعلنا نعوّل- هنا – الى كتابات / حواء القمودى كثيراً هنا ، وحواء القمودى هو  الإسم الحركى المستعارالذى تنشر به الأديبة الليبية / دلال المغربي مقالاتها – لأننا لم نعثر لكوثر نجم سوى على قصائد قليلة من ديوانيها ،وكان حظ القمودى- كليبية – في وجود نسخة من الديوان لديها، لذا لزم التنويه ).

 ولقد تعرضت الشاعرة  / كوثر نجم في ديوانها الى قضايانا العربية القومية  الكبرى كالقضية الفلسطينية من خلال سؤال الطفلة الى أمها : أماه هل لى وطن كغيرنا ، وهو سؤال يكشف العرى والعجز العربى أمام ضياع الأوطان العربية أمام الإستعمار الصهيونى الغاشم، جزء من مصر في سيناء – قبل معاهدة كامب ديفيد- ، وفى منطقة ” أم الرشراش ( المرشرش) – إيلات حالياً ، وجزء من الأردن في الجولان ، وغير ذلك ، وهذا ما حدا  بالشاعر الفلسطينى معين بسيسو أن يقول : (يطل صوت الشاعرة “كوثر نجم”، من النافذة الليبية على الأرض المحتلة ، على فلسطين، التي تمتد يدها عبر الأفق الليبي بديوان قصائدها (فجر وغيوم)، هذا الديوان الذي يتصدره (الجرح الدامي) الذي ينزف خلال أبيات القصيدة الأولى من الديوان -في ذكرى النكبة- والذي تتصدى فيه الشاعرة لقضية ذلك السؤال التاريخي الذي يطرحه الجيل الثاني من أجيال النكبة على الجيل الأول، جيلنا نحن، وجيل الشاعرة ، مرة ثانية ، حين تقول :

ماذا سأخبرهم إذا سأل الصغار
أمي… ألي وطن أنا مثل الرفاق؟).

وفى النهاية :  ليس لنا في النهاية أن نكتب أو نورد أجمل مما قاله أ/ زغيبة  حين قال عنها فى  مقدمة الديوان  :  ” كوثر نجم هى الشاعرة التي تتجاوب مع الأحداث والقضايا الوطنية والقومية والإنسانية وهي مع الشعراء المعاصرين الليبيين تضع لبنة جديدة في بنية الشعر المعاصر)..

انها الشاعرة / كوثر محمد نجم ، ابنة النور والنار ، وابنة الثورة والنضال ، وروح الشعر والجمال ، أبدعت وثارت، وناضلت وسهرت وصالت وجالت في الميادين وشوارع الثوار ، وفى الصحافة دون خوف من قيود أو اغلال ، ولقد اتصلت، او حاولت الإتصال بحركات النضال الوطنى في عدة بلدان مثل تونس والجزائر ومصر، الا أن السلطات المصرية قد تنبهت الى ذلك في عهد الرئيس محمد أنور السادات فمنعت من الدخول الى الأراضى المصرية أكثر من مرة، لكنها  كانت لها اتصالاتها بالثوار والمناضلين في تونس والجزائر، وأبرز دليل الى ذلك  عندما سافرت الى تونس في رحلات علاجية كان الشعراء والثوار التونسيين ن وبعض الجزائريين يزورونها هناك ن وكانت تعقد الندوات الشعرية وتلقى القصائد، وتغنى لهم الأغنيات الوطنية التى كانت تنشدها / أم كلثوم وغيرها ،  أى أن حركات النضال الوطنى كانت تجد طريقاً الى التواصل ، ولو بغير طرق رسمية مباشرة، او حركات ، بل كان النضال فردياً ، لذا نراها قد وهبت حياتها للنضال الوطنى ، و لتحرير المرأة من ربقة الطغيا والظلم ، وتحرير الأوطان من ربقة ارجعية والتخلف ، ناضلت بالقلم وكتبت نثراً وشعراً ، ودفعت حياتها ثمناً للحرية ، حيث تشرد زوجها الثائر لرأيه المعارض لسياسة الرئيس الليبى العقيد / معمر القذافى ورحل الى الجزائر ثم الى الولايات المتحدة الأمريكية ومات هناك ، وتشرد أبناؤها خلفه بعد أن لحقوه، ومنهم من انتقل الى مصر، إلا أنها أصرت على أن تظل بليبيا تحمل مشعل التنوير ، وتأجج فتيل الثورة على الظلم ، لكن الطغمة الحاكمة أبت إلا أن تسكت صوتها ، وأجبرت على ترك جريدة الرائد التى كانت تمرر من خلالها هواء الحرية على الشعب الليببى  ،ثم غاب ذكرها ، وطمس الحديث عنها الى وافتها المنية فى سنة 2012 م بطرابلس الليبية ، ودفنت هناك . رحمها المولى عز وجل

قراءة في ديوان:  نداء المعركة

بدأ الصراع العربى الإسرائيلى يشتد أواره  منذ تولى الزعيم / جمال عبدالناصر مسئولية الحكم في مصر، ولقد كان زعيماً وطنياً قومياً عروبياً ، اكتسب محبة الملايين في العالم، بل كان أعداؤه يحترمونه لمواقفه الوطنية فأصبح رمزاً للعزة والكرامة العربية، ثم جاء  الرئيس / محمد أنور السادات ومنيت مصر بهزيمة، نكسة 1967م فكانت بمثابة الصدمة للعرب ، ولقد صدمت الشاعرة مرتين: إحاهما بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م فانبرت لكتابة القصائد للتنديد بالعدوان الغاشم، ثم جاءت النكسة لتكتب بعدها ديوانها الرائع : ( نداء المعركة  والذى صدر عام 1968 م )، وفى هذا الديوان يتجلى الحس النضالى لاستنهاض المارد العربى ليفيق من جديد بعد الهزيمة التى مثلت كسر الإرادة الوطنية العربية، فجاءت قصائدة لاهبة ، حماسية ، لكنها غير زاعقة ، ولقد أسمت الديوان نداء المعركة ، وكأنها تستنهض الشعوبالعربية لحرب الكرامة القادمة ، لنصرة الإرادة العربية المهدورة،والتى سترتفع وتشرق شمسها بعد ذلك بانتصارات العبور في السادس من أكتوبرعام 1973م، ليعود المارد المصرى / العربى من جديد، أو عودة الروح ، على حد تعبير الأديب الكبير / توفيق الحكيم ، وليظهر تيار الوعى القومى العروبى من جديد : القومية والوحدة العربية ، والجيش العربى المشترك ، وغير ذلك .

وللأسف فلم أعثر الا على بعض فقرات من قصائد هذا الديوان الرائع ، الى أن أمدتنى الشاعرة المغربية الجميلة / فاطمة بوهراكة ببعض مما عثرت عليه من قصائد هذا الديوان   لنبين الملامح والسمات الفنية والجمالية لقصائدها الوطنية ، والتى كتبتها ممازجة فيها بين الشعر العمودى – بقلة – والشعر الحر ، ليكتمل حكمنا النقدى في رياتها للقصيدة الجديدة ، كأحد الرموز العربية الكبيرة لقصيدة الشعر الحر آنذاك .

وديوان: ” نداء المعركة ” – كما تقول القمودى- نقلاً عن شريفة القيادى : اشتمل الديوان الآخر على سبع عشرة قصيدة، نشرت بعضها في جريدة (الرائد) على فترات، كما أن الشاعرة قد غيّرت عناوين بعض القصائد (أما في ديوانها التالي فقد وردت قصيدة (جراح شعب) بنفس العنوان وقصيدة (من أجل الحياة) بعنوان مغاير هو (هل مسنّا الجنون؟)). وقد أرسلت لي الاستاذة “فاطمة بوهراكة” بعض قصائد من الديوان الثاني، وانتبهت أن قصيدة (في ذكرى النكبة) والتي افتتحت بها الشاعرة ديوانها الأول قد وردت في الديوان الثاني بعنوان آخر هو: (خواطر فلسطينية)وكأن الشاعرة حين أعادت نشر قصيدة افتتحت بها ديوانها الأول، تؤكد قول الشاعر “معين بسيسو”: (يطل صوت الشاعرة “كوثر نجم من النافذة الليبية على الأرض المحتلة على فلسطين التي تمتد يدها عبر الأفق الليبي. ولعلنا  نؤكد أن ديوان : ” نداء المعركة” هو أكثر نضجاً في الشاعرية من ديوانها الأول : ” فجر وغيوم” ، اذ نضجت القصيدة عندها ، وتبلورت بنضوج التجربة العربية للشعر الحر، وظهور دواوين أخرى عمقت من مفهوم هذا الشعر الجديد ، فغدت قصائدها أكثر اشراقاً ، وأجمل تعبيراً ، كما أن لغة الديوان – وإن مازجت في بعضها – بين القصائد العمودية وقصائد الشعر الحر، إلا أن هذه القصائد العمودية قد حملت تطوراً عبر الشكل والمضمون، وعبر القضية  الوطنية التى تحملها داخلها أيضاً.

وفى قصيدتها : ” قد مسّنا الجنون ” نراها تحاكى أصحاب قصيدة الشعر الحر، حيث اللغة الرامزة البسيطة، وحيث استخدام مفردات المعيش واليومى الا أنها تسقط كل ذلك على الواقع حيث القيود والأغلا والموت المحيط بهم عبر ضبابية الرؤية فأصبحوا كالمجانين لا يفرقون بين الحقيقة والخيال ، وأصبح الكل مشغولاً في أبسط الأمور ، وانشغلوا عن القضايا القومية والإنسانية الكبرى ، تقول :

صديقتى هل نحن واهمون..

أم مسنا الجنون ؟

فأغلق الفؤاد والعيون

وشوّه الضياء بالظلام

وحوّل الحياة كالحِمام

وقيّد الآمال في الحطام

صديقتى أتسمعين

جحافل الموت اللعين

تفتت الأشجار

وتخنق الثمار في الأزهار

وتملأ الآفاق بالغبار

فينشر الدمار

صديقتى لكم أحب قريتى

وأرض قريتى

لكم أحب زرعها النضير

وماءها النمير

لكم أحب جلسة الأصيل

ببيت عمتى

وحولنا براعم الحياة

أطفالنا الصغار

يلهون كالطيور

في موكب الحبور

وجارتى تذوب في الحديث

عن عرس بنتها

عن ثوبها المفضفض الطويل

وخصرها النحيل

وشعرها الحرير

وزوجها المهذب الجميل

وسرحة الآمال

في الحب والأطفال

صديقتى أتشعرين

أتسمعين صيحة المنون

سيسدل الفناء

أستاره السوداء

تلف قريتى

وأهل قريتى

بل ألف ألف مثل قريتى

صديقتى ستغلق العيون

وتنطوى حرارة القرون

أتشعرين أى جرم يفعلون

أمجادنا الشمًّاء.

انها تشكو الى ذاتها، صديقتها المتخيلة ، تبث شكاواها الزاعقة عن النضال وتحقيق الغايات الكبرى ، وتسأل بإستنكارية شديدة للواقع الذى ترفضه، فكل شىء غدا صورة شوهاء، يغوص في الرمال، والكل يتفرج، الكل ساهم كالمجانين بينما تتفلت الأمور من أيدى الجميع، تقول :

صديقتى ..ما حقق النضال

على مدى الأجيال …

في لحظة يذوب في الرمال

وتخمد الحياة

ونحن ساهمون … 1960م . ( الديوان ص : 44: 49) .

ثم بعد هذا الوهن والضعف تعود لنا بالإصرار والعزيمة، واستنهاض الجموع الغفيرة عبر قصيدتها : ” نداء المعركة” والتى حملت اسم الديوان كذلك، ومع أن القصيدة قد كتبت بنمط القصيدة العمودية الا انها جاءت مغايرة، وتحمل تجديدية وثورية عبر بث الشكوى الى الأم من مرار الهزيمة، وانكسار الحلم ن وتفشى الجوع والفقر والمرض والأمية بعد أن ناهضت كل ذلك ، فهى تبكى ” فلسطين” القضية، الأم التى تمثل مركزية الحياة والنماء، فهى تستنكر مشهديات القتل والدماء التى سالت في مزارع البرتقال هناك، وتوجه النداء الى القادة العرب رافضة الوعود والخطب البراقة التى تعلوها الأباطيل والتضليل للشعوب، فقد ضاعت فلسطين، وسالت الدماء العربية رخيصة على روابى الصحراء، وبين المروج والمزارع، وعبر القرى والكفور والنجوع، فالأرض تنادى  : أن هبوا لنصرتها عبر نداء المعركة، نداء الضمير الإنسانى للأرض العربية السليبة التى تمثل الشرف العربى المراق عبر حمامات الدم المتناثرة، تقول :

أماه كيف نجوت من طعناتهم              حتى قضيت بخيمة الإيواء

وتركتنى بين الجموع الضائعة            أرعى الأسى ظمأ بلا إرواء

الجوع زادى والسقام تعلتى                 وشهادتى أنى من الأحياء

والآن ماذا  .. لو سلوت توجعى           لم أنس مليوناً من البؤساء

لا تعطنى ذهباً .. إليك خديعتك               لا تلهنى بالإخوة النجباء

أرضى فلسطين التى روّيتها                بدمائنا للزَّرعة الشوهاء

انها تختار لغة النار، المعركة، الحرب التى تستنهض الشعوب لا الحكام، وتستنهض النخوة العربية ، ففلسطين ليست ككل الأراضىن إذ هى أرض الله المقدسة، حيث القدس وأشجار الزيتون، وحمامات السلام هو شعارها ، فكيف تضيع أرض السلام، ولا راد لها سوى بنداء المعركة ، فالأرض التى تشربت بالدم تئن وتصرخ وهى وحيدة تجأر في المدى وتتوعد بسحق الأعداء الصهاينة بحذائها ، او قذفهم في البحر، لتعود فلسطين الى حديقة العرب الرحيبة، تقول :

النار دربى لا أريد وعودكم                   أشياؤنا ليست من الأشياء

أرضى تنادى قد سمعت أنينها               إنى سأسحق قاتلى بحذائى

مايو 1964  ( الديوان ص: 66:64 ).

وفى قصيدتها الأخيرة – التى بين أيدينا – نراها قد أصابها الوهن والضعف، فهى ليست خائفة على نفسها، ولا تخش أى شىء، بل تنظر الى عصافيرها، فلذة أكبادها، الى الأطفال، أطفال ليبيا، وماذا ينتظرهم من مستقبل ضبابى مخيف، فهى صوت الحق، وسيف القوة الذى أتى عليه الضعف والإنكسار كالارادة العربية المهزومة ، لذا رأيناها تعقد حوارية مع الذات، المجتمع، وتنادى في انكسار مهيب، تقول :

فان أوذيت من لهم؟

ورحت أسائل الأيام

إن أوذيت من لهم؟

وكيف يصير حالهم؟

أحقاً اننى وحدى،

بدربى ذلك الوعرِ ؟

فلانٌ هل سيرعاهم ؟

فلانٌ هل سينسانى؟

ورحتُ أقلب الأسماء

وأبحث قصتى معها

وتفعم قلبى الذكرى

وتملأ مقلتى العبرات

لقد ذهبوا وما عادوا هم الإخوان

وحتى الدرب جافوه

وألقوه كشىء كان

انها تجلس وحيدة، لا تركن الى الإستسلام، ولكنها تهاويم تحيط بها، تفكر في مستقبل أطفال ليبيا ، من لهم بعد ضياع القيم والمقاومة، ومن لأطفال العرب بعد زرع الإستعمار، واحتلال الأرض، وغيبة صوت الحق والحرية، لقد شعرت بأنها وحيدة، فالكل قد ذهب، هرب، تشرد بعد القوة، وهان بعد العزة لذا تتسائل هل ستستسلم في النهاية كذلك مثل الباقين، وتدفن رأسها في الرمال كالنعامة، كدأب الحكام العرب آنذاك ، تقول :

أحقاً قد خلا دربى

أحقاً أننى وحدى

أعيش تفرّدى الصعبِ

أحقاً لم يعد غيرى

يحسُّ قضية الشعب

ولكن كيف قد ذهبوا؟

أيمكن أنهم ذهبوا ؟!

وتدخل طفلتى الصغرى

تصيح .. أبى .. سيضربنى

أى امنعه … سيضربنى

ويجرى خلفها الأكبر

وفى يده

بقايا لعبةٍ خشبِ

وأصرخ فيه

أنهره

وتملأ خاطرى الكلمات

” ضِعاف ما لهم غيرك “

وأذكر قصة الإخوان

وأعرف كيف قد ذهبوا

وأنتفضُ.

إنها تتذكر الأصدقاء، رفقاء البطولة والنضال ن تشرد معظهم، وقتل وسجن آخرون، ومات آخرون كمداً، فهى تناجى ذاتها، الإرث والشموخ للأب، الرمز، البطل، الوطن الذى غامت حوله غيوم الظلام، وغاب في دجى الأيام ، تقول :

أيمكن أننى أيضاً

سأفعل مثلما فعلوا.

وتدفن قصة الأب.

انها حقاً نبوءة، فقد تنبأت باسكات صوتها، شعرت بالخطر المحق بصوت الثوار ، ورأت زوجها يتشرد أمام جحافل الظلم، كما تشرد وقتل وسجن وسحل غيره كثيرون من الرفاق، الإخوان المناضلين ن رفقاء النضال الوطنى على درب طريق الحرية الطويل، ويبدو أن نبوءتها قد تحققت فأبعدت عن الكتابة، وتم التعتيم على ماضيها ، فعاشت بقية عمرها تحت ظلال شجرة النسيان، لكن التاريخ لا ينسى من وقف الى جانب الشعوب، فالحقيقة وإن غابت، وخبا صوتها، والحرية وإن طال طلوع شمسها، إلا انها ستطلع حتماً ن ويطل الفجر الجديد، لتشرق الشمس من جديد، وينتشى الصغار، وتزهر الحياة .

إنها الشاعرة / كوثر نجم ، المناضلة التى وهبت حياتها للقضايا الكبرى، لن تغيب شمسها أبداً ، وقد آن الأوان لنزيل عن ماضيها الركام، ولتبزع شمسها تضىء بعد موتها، تخلد ذكراها عبر التاريخ الحقيقى لهؤلاء المناضلين ، فهى واحدة من عشرات المناضلات والمناضلين الذين أعطوا حياتهم للأوطان، فظللتهم شمس الحقيقة بنور شفاف ذهبى ، وطبطبت على أجسادهم، وطلعت فوق قبورهم ، فهم شهداء الكلمة، شهداء القضية، شهداء الحرية الأبرار.

السيرة الذاتية

 كوثر علي محمد  نجم ،مصرية ، ليبية ، من مواليد 9/3/1937م بالقاهرة المصرية .تخرجت فى كلية دار العلوم عام  1957م ،عرفتها المحافل والمنتديات الأدبية  منذ سنة 1954عندما كانت طالبة بالجامعة ، نشرت أشعارها في كل من مجلة ” الرسالة الجديدة ” في القاهرة، ومجلة “الأديب” في بيروت ،ومجلة كلية دار العلوم ، وفي بعض الصحف الليبية. ولقد هاجرت إلى ليبيا مع زوجها الليبي الأستاذ علي بوزقية الى ليبيا وحصلت على الجنسية عام 1956 م .، وعاشت هناك ، والتحقت بكلية الحقوق وحازت ليسانس حقوق – طرابلس، ماجستير علم النفس- كلية التربية – طرابلس بعنوان : اتجاهات المدرسين نحو مهنتهم وآثارها على اتجاهات تلاميذهم نحو المواد التي يدرسونها لهم ودرجات تحصيلهم منها عام 1980 م بجامعة طرابلس، ثم عملت مدرسة ،ثم موجهة بقسم التوجيه التربوي – التعليم الثانوي ومعاهد المعلمات بطرابلس عام 1963 م . كما ذكرت في دليل المؤلفين العرب الليبيين الصادر عن دار الكتب – أمانة الإعلام والثقافة عام 1977 م . وصدر لها ديوانان  تحت عنوان : فجر وغيوم صدر عام 1965 م، و نداء المعركة عام 1968 م ، وهى أول شاعرة أصدرت ديوان شعر بليبيا ولقد توفيت رحمها الله سنة 2012 م بتونس ودفنت بمقبرة شط الهنشير بطرابلس ليبيا بتاريخ 10/12/2012 م.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى