قبيلة العتيبة.. من صحراء نجد إلى عمق الهوية الخليجية الحديثة
أسماء صبحي – في قلب شبه الجزيرة العربية حيث تمتزج الرمال بالتاريخ، نشأت قبائل كان لها دور محوري في تشكيل ملامح المجتمع الخليجي..ومن أبرزها قبيلة عتيبة التي تمتد جذورها لقرون طويلة في عمق التاريخ العربي. وعرفت هذه القبيلة بكرمها وشجاعتها واستقلاليتها كما كانت لها إسهامات كبيرة في الدفاع عن مناطق نجد ومحيطها. ثم أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من التركيبة الوطنية والاجتماعية في دول الخليج.
من نجد إلى مكة والطائف والرياض، ومن السعودية إلى الكويت وقطر والإمارات. تواصل القبيلة حضورها الفاعل في شتى المجالات، محافظة على إرثها القبلي، ومتفاعلة في الوقت نفسه مع روح العصر الحديث.
أصول قبيلة عتيبة
تعد القبيلة من القبائل العدنانية.وتنتمي بحسب المراجع التاريخية إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهو نسب عربي عريق جعلها واحدة من أكثر القبائل مكانة في شبه الجزيرة العربية.
استقرت القبيلة في مناطق شاسعة من وسط وغرب الجزيرة، خاصة في نجد والحجاز. واتخذت من الطائف مركزاً رئيسياً قبل أن تمتد فروعها إلى مناطق متفرقة من المملكة، ثم إلى الكويت وقطر والإمارات.
ويذكر أن أبناء عتيبة ساهموا في كثير من الأحداث المفصلية في تاريخ الجزيرة. وكان لهم دور بارز في الحروب القبلية القديمة ثم في مرحلة توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود.
الدور التاريخي والسياسي
تميزت عتيبة بقوتها العسكرية ونفوذها الاجتماعي في القرون الماضية. إذ كانت من أبرز القبائل التي حافظت على استقلالها في زمن كانت فيه القبائل تخوض صراعات متكررة على الأرض والماء والمكانة.
ومع بداية القرن العشرين، شارك رجال القبيلة في تأسيس الدولة السعودية الحديثة. وكان لهم دور فعّال في دعم مسيرة التوحيد والاستقرار. كما برز عدد من أبنائها في السلك العسكري والإداري والدبلوماسي، وأسهموا في تعزيز موقع القبيلة داخل البنية المؤسسية للمملكة ودول الخليج.
في الكويت وقطر والإمارات، انخرط أبناء عتيبة في العمل الوطني والتنموي. وتولوا مناصب مختلفة في مجالات التعليم والاقتصاد والشرطة والدفاع ما عزز من حضورهم الإقليمي عبر الخليج العربي.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية
تعد عتيبة مثالاً للقبائل التي نجحت في التحول من حياة البادية إلى المدنية الحديثة دون أن تفقد قيمها الأصيلة. فبعد عقود من التنقل والرعي والزراعة، دخل أبناء القبيلة عالم التجارة والتعليم والإدارة، وأصبحوا من رواد القطاعات الحديثة.
وتنتشر اليوم أسر عتيبة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والطائف والدمام وتمتاز بحفاظها على الروابط العائلية القوية التي كانت سمة مميزة للحياة القبلية. وفي الوقت ذاته، شهدت القبيلة صعوداً ملحوظاً في مجالات التعليم. إذ يشغل العديد من أبنائها مناصب أكاديمية وعلمية مرموقة داخل الجامعات السعودية والخليجية. كما برز منهم رجال أعمال ومثقفون وإعلاميون مؤثرون.
العتيبة في الثقافة والمجتمع
تحظى قبيلة عتيبة بمكانة ثقافية مميزة في المشهد الخليجي. إذ أنجبت عدداً من أبرز الشعراء في تاريخ الجزيرة العربية ومنهم شاعر النبط الكبير محمد بن هضيب العتيبي وبديوي الوقداني، اللذان شكلا رمزين من رموز الشعر الشعبي والفخر القبلي.
ويعتبر شعر الفروسية والمفاخر القبلية من أبرز ملامح التراث الأدبي لدى القبيلة. حيث كانت القصائد وسيلة لتوثيق البطولات ونقل القيم والمآثر عبر الأجيال.
كما يشارك أبناء القبيلة في الفعاليات الثقافية والتراثية مثل مهرجانات الهجن والفروسية ومناسبات اليوم الوطني السعودي، التي تُظهر اعتزازهم بتاريخهم وهويتهم.
التوازن بين الأصالة والتطور
استطاعت عتيبة أن توازن بين الحفاظ على قيمها التقليدية وبين الانفتاح على الحداثة. فالتعليم والتمدن لم يلغيا الخصوصية القبلية، بل أعادا تشكيلها بما يتناسب مع الواقع المعاصر.
ويعيش أبناء القبيلة اليوم في بيئة حضرية متقدمة، لكنهم لا يزالون يحتفظون بصلات قوية بمناطقهم الأصلية. حيث تُقام اللقاءات الدورية والمجالس العامة التي تجمع العائلات، وتناقش فيها قضايا المجتمع والتنمية.
هذا التوازن بين الأصالة والتحديث جعل القبيلة نموذجاً يحتذى به في الحفاظ على الهوية دون الانغلاق على الذات، وفي الوقت ذاته الانخراط في مسيرة التغيير التي تشهدها دول الخليج.
ويقول الباحث في الشؤون الخليجية الدكتور عبد الله بن سعد القحطاني المتخصص في علم الاجتماع السياسي، إن قبيلة عتيبة تعد واحدة من أكثر القبائل تأثيراً في التاريخ السعودي الحديث. لقد استطاعت أن تحافظ على تماسكها الاجتماعي رغم التحولات الاقتصادية الكبرى. وفي الوقت نفسه كانت من أولى القبائل التي اندمجت في مؤسسات الدولة الحديثة. اليوم نرى أبناء عتيبة في مواقع قيادية، أكاديمية، وعسكرية، ما يعكس قدرتهم على الجمع بين الإرث القبلي والمسؤولية الوطنية.



