فنون و ادب
الشعر النبطي.. بحوره وأوزانه
حاتم عبد الهادي
الشعر النبطي: هو ديوان البادية، الذي يؤرخ فيه الشاعر لتاريخ القبيلة، حروبها، غاراتها، مواقفها الشهورة بين القبائل، وهو لون شعرى يستخدم فيه الشاعر اللهجة المحلية كأسلوب للخطاب بين أبناء البدو في المناطق المختلفة .
الشعر النبطي ويسمى أيضاً القصيد، وهو الشعر العربي المنظوم بلهجات شبه الجزيرة العربية ومنها المملكة العربية السعودية والإمارات ودول الخليج العربي، وأيضًا اليمن والأردن وبادية العراق، وبين أهل البادية في فلسطين وسوريا، وفي السودان ومصر، وفى بادية الشام، ودول المغرب العربي بما فيها موريتانيا.
وتجىء تسميته بالشعر النبطى من الفعل: نبط، أي نبع الماء، والاستباط هو استخراج الماء من البئر، واستخراج جوهر المعاني من القاموس اللهجى القبلى، وقد نسبه البعض إلى الأنباط لسهولة لهجتهم ونحوهم، واشتهار لغتهم بين القبائل العربية، والأنباط عرب كان لهم مملكتهم في أدوم في شرق البتراء بالأردن، وبالقرب من المملكة العربية السعودية، وكانت آخر وأشهر ملوكهم الملكة زنوبيا .
كما يطلق على الشعر النبطي “الشعر الشعبي” كونه منتج شعبي ولكون جمهوره المتفاعل معه من الشعب بعيداً عن الرسمي، أو الشعر العمودي الفصيح، ويسميه الباحث والمفكر السعودي/ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري بالشعر الفلكلوري، كون كلمة فلكلور تعني في النهاية (حكمة الشعب).
وهناك من يسميه بالشعر النبطي كون من اشتهر به قوم من الأنباط المعروفين ببداوتهم نزحوا من منطقة في الحجاز إلى الشام ولهم قصائد باللهجة المحكية بعيدا عن الفصحى.
ويطلق عليه فى الإمارات العربية : “الشعر البدو النبطي”، كما يطلق عليه في الكويت اسم “القلطة” – أي فن المحاورا الشعرية، ويطلق عليه في تونس ” شعر القسيم” ـ كما يسمى في بادية سيناء بمصر: “الشعر البدوي”، أو النبطي الشعبي، كذلك.
القصيدة النبطية: وهي تلك القصائد التي تنسج بالشعر اللهجي للدولة، وبين القبائل المختلفة، وهو لون شعبي شتهر منذ وجود البوادي العربية وهو موازٍ للشعرالرسمي: العمودي أو التفعيلي، إلا أنه يستخدم اللهجة العامية البدوية في صياغة القصيدة التى تتعدد أشكالها كذلك، وهو شعر يراعي الأنماط التقليدية للشعر العربي من حيث الشكل العمودي، والالتزام بقافية واحدة على طول القصيدة، كما يستخدم اَوزاناً خاصة مغايرة لأوزان الخليل في الموسيقى.
وفي المسمى، فنجد بحور الشعر مثل: البحر الهلالي، والبحر المربع، أو المروبع، والبحر المسحوب، وغيرها، كما يستخدم كثير من الشعراء الأوزان العروضية المستخدمة في الشعر الفصيح – كما في بادية سيناء – و أوزاناً أخرى مشتقة منها، كما تضيف الكثير من القصائد النبطية المتأخرة قيداً إضافياً وهو الالتزام بقافية واحدة للشطر الأول من كل بيت وليس الشطر الثاني فقط كما في الشعر الفصيح، مثلاً كقول شاعرهم :
يا ونّـةٍ ونّيتـها مـن خـوا الـراس من لاهـبٍ بالكبـد مثـل السعيـرهْ
ونين من رجله غـدت تقـل مقـواس ويونّ تالـي الليـل يشكـي الجبيـرهْ
فنجد السين فى الشطر الأول قافية يلتزم بها الشعراء المتحققين الأفذاذ، وليس كل الشعراء بالطبع .
تاريخ الشعر النبطي
ظهر الشعر النبطي، أو البدوي، أو الشعبي، بظهور اللهجة العامية التي يكتب بها، وظهرت العامية أولاّ في الحواضر وبين أهل المدن بسبب الاختلاط بالعجم مع بداية القرن الرابع الهجري، بينما ظل أهل البادية محتفظين بسليقتهم اللغوية الفصيحة حتى آخر القرن نفسه، لذا يسمي الدكتور غسان الحسن شعر الحضر بالشعر العامي بينما يسمي شعر البدو بالنبطي.
بينما يرى صادق محمد أحمد بخيت في كتابه (الأنباط والشعر النبطي ــ مدخل تاريخي موجز) بأن العامية أصل والفصاحة فرع بني على هذا الأصل، ويعزى الى أن أبوزيد الهلالى سلامة أول من قال شعراً نبطياً فى ” تغريبة بنى هلال، وهو رأى ضعيف كذلك، أما أول ذكر للشعر باللهجة الدارجة فيأتي فى شعر الشاعر العراقي/صفي الدين الحلّي في القرن الرابع عشر، والمؤرخ ابن خلدون في القرن الخامس عشر، إلا أنهما لا يذكرانه باسم “الشعر النبطي”.
أما أقدم النماذج الشعرية فمقطوعة من بضعة أبيات لشاعرة من بادية حوران أوردها ابن خلدون في المقدّمة، ثم بضع قصائد لأبي الحمزة العامري من أهل القرنين السابع والثامن الهجريين، وهي في معظمها على اللحن الهلالي (ويقابله بحر الطويل) وبحر الرجز.
أهمية الشعر النبطي
كثرت شعبية الشعر النبطي في الدول العربية ودول الخليج، وأصبحت له مهرجانات، وليال ومؤتمرات تبرز جوانبه، وتؤطر له، وقد لاقى رواجاً شعبية كشعبياً واسعاً فى السبيرة في السعودية والإمارات وباقى دول الخليج العربي، وأخيراً فى مصر وتونس ودول الشمال المغربي، وفي الأردن واليمن وليبيا أيضاً، الإ أن اللهجات كالأمازيغية قد طغت على مسمياته عندهم فسمى: بالشعر الأمازيغى أحياناً ، وبالشعر الحسّانى كذلك.
ومنذ عام 1980م بدأت الدول العربية تهتم بالشعر النبطي اللهجي، تقيم المؤتمرات والمهرجانات له، فبعد أن كان شعراً مسموعاً يقدم عن طريق الالقاء الفردي، بدأت تطبع له الأسطوانات وأشرطة الكاسيت، إلا أن أ كثر دعاية لهذا الشعر كانت – كما أرى – من جانب المطربين فى البوادى العربية الذين انتقوا القصائد المموسقة وغنوها، فتم توثيقه، كما وثقه من قبل المستشرقون والرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية قديماً، وأخذوا معهم الكثير من نماذج هذا الشعر الذى ميز أهل الخليج، وتجدر الإشارة إلى أنّ الباحثين أكّدوا على أنّ الشعر النبطي انطلق من دول الخليج بالدرجة الأولى، ثم من العراق، ثمّ من صحاري نجد كذلك.
ويعد الشعر النبطى مصادر تاريخ الجزيرة العربية والخليج العربي خصوصاً بعد نقل الخلافة الإسلامية إلى بغداد ودمشق وقلّة الاهتمام بالجزيرة العربية فلم يكن هناك توثيقا مكتوبا للتراث والتاريخ في المنطقة لقلة الاهتمام بالكتابة، فحفظت بعض القصائد النبطية أحداثًا تاريخيًا وقصصًا للأماكن والمعارك والعادات والتقاليد، ومظاهر علم الفلك ومفردات البيئة.
ولقد شارك الشعر النبطى – مثل بقية الآداب المكتوبة- في دعم ثورات الشعوب العربية ضد الاستعمار الغربي، برفع الروح المعنوية الوطنية وتعزيز الرغبة الشعبية في التحرر والتحرير مثل ماحدث في الجزائر وتونس والشام، كما كان قبل قيام المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي له دور محفز في الحروب والمعارك القبلية.
واشتهر بالشعر النبطي عددًا من الملوك والشيوخ والأمراء في منطقة الخليج العربي، فكان هناك عدد منهم يقرض الشعر النبطي في أغراضه المتعددة، بل وكان نوعا من التواصل بينهم وشعوبهم من خلال الاهتمام بإنشاء مؤسساته ودعمها مثل ماحدث في الكويت حيث أصدر أميرها قرارا بتأسيس ديوانية شعراء النبط عام 1977م وتخصيص ميزانيتها من نفقة سموه الخاصة، فكان لها برامجها وإصدارتها الداعمة لمسيرة هذا النوع من الشعر في المنطقة.
أنماط الشعر النبطي
للشعر النبطى أساليب خاصة تميزه فى الالقاء، وفي شكل تقديم القصيدة للجمهور، فقد يلقى بشكل فردي، أو بين جماعة في أمسية أو ندوة تخصص له،أو قد يتبارى شاعران فى ( القول والرد عليه) ويسمى : ” المشاكاة والمردة”، أو ” المحاكاة “، أو المجاراة والمحاورة ، أى مباراة شعرية يقول فيها الشاعر قصيدة في موضوع معين وعلى الآخر ألن يرد عليه في نفس الموضوع وبنفس البحر والقافية، وفي الوقت نفسه ( القصيدة الإرتجالية) (وهذا النوع يحتاج إلى رجاحة عقل وحضور القريحة، والبديهة والتي قد لا تتوافر لكثيرين الآن.
وهناك نوع يسم : النقائض أو الأهاجي، وهي قصائد هجاء شعبية تدور بين شاعرين نتيجة عداء شخصي بينهما أو صراع بين قبيلتيهما، وهي تشبه النقائض بين الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي مع الاختلاف باستخدام اللغة المحكية، وقد انقرض هذا الشعر تدريجياً نظراً لأنه يجلب التناحر والمشاحنات، بل والحروب بين القبائل كذلك.
بحور الشعر النبطي
للشعر النبطي بحوره الخاصة، التي قد تتواشج، أو تتقاطع مع العروض الخليلي، لكنه ذا موسيقا خاصة، أنتجتها القريحة الشعرية للشاعر والمستمع، وشكلتها طبيعة الصحراء وموسيقاها الخاصة، ومن هذه البحور
1. البحرالصخري
2. المسحوب
3. الهجيني
4. الحداء
5. العرضه
6. السامري
7. الفنون
8. المربوع
9. الألفيات
10. الزهيري
11. الجناس
12. القلطه.
ولابد أن نشير هنا بأن البحر الواحد قد يكون له أكثر من لحن، ومن أشهر ألحان الشعر النبطي: ( المسحوب,المنكوس,الهلالي, الصْخَري,الهجيني, السامري, الحداء,الزهيري, الفراقي).
أشكال الشعر النبطي
ينقسم الشعر النبطي عادة الى عدة أقسام منها:
القصيد: وهي قصائد يكتبها الشاعر على إحدى الأوزان الشعرية المخصوصة ومنها قول الشاعر :
ياديرتى يامرباى وقت الطفولة ما انسى غلاكى وجيتكوا اليوم زوار
حيا الله أولاد الجبل والسهولة والمتر يرزم مثل دقة الثار
المواليا: وهى قصائد أقل في القصر، وتستخدم مجزوء البحور، ويلقيها الشاعرأثناء تجواله في الصحارى والوديان، ومنها قول الشاعر :
مرحبا يامرحبا يابكرة ياشمالية
صفى قدمك صفيّه صفّة القمحة الدُّبية
بكرا ألقى على هلكى كمنهم يدوك ليه
يابكرا يلى صباحك زى اللبن فى الزبدية.
حداء الإبل (الهجيني): وهى قصائد يستخدمها الشاعر ” البّدّاع وهو فوق ظهر الهجين، ليجعلها تنتشى وتواصل المسير بقوة ونشاط، ومنها قول الشاعر:
يا ذيب ياللي تفطر القلب بعواك
يا ذيب حالك ما هو مثل حالي
إنت بعويلك يمن تقظب الشاة
وانا بعويلي يوم تيتموا عيالي.
غناء الرقص (أغانى السامر) : وهى قصائد تلقى فى المناسبات الإجتماعية المتعددة ومنها:
أ- الدّحية : وهى مشتقة من الدّح أي التصفيق بالأيدى، وتسمى البدع كذلك، ويبدأ الغناء بين صفين من الرجال تتوسطهم امرأة في الوسط مغممة الوجه ولا يظهر من وجهها أي شيء، ومتشحة بالسواد، وتسمى الحاشية وبيدها عصا، ويبدأ الإنشاد بقول الشاعر :
دا حيوه داحيوه ذكر محمد لا تنسوه
هاتوا غزال البحر هاتوه يرقص معنا داحيوه
وكلمة ( دا حيوه : أى هذا الرجل حيّوه ،أى التحية لفلان).
فيرد عليه الشاعر :
ربعك ربيعك يالغالى مد ايدك سلّم عليّه
فيرد عليه الآخر :
ربعك ربيعك يا الغالى والكل بسيف وشبرية
فيرد عليه الآخر :
والله لأعمّر سامركو لو لحقت ضرب الشبريّة
فيرد الآخر :
ان دح قليبك يا الغالي قلبي بيسمّع دويّهلى الرقص والغناء حتى الهزيع الأخير من الليل، ويتحمس الشعراء لقول الشعر حتى الرمق الأخير .
ب- المربوعة : وهي أغانىي تلقى بعد الدحية “، حيث يسبقها قولهم : ( هولو هولو بك ياهولو ) وقد تشترك أكثر من راقصة فى الحلقة فتلتهب أفئدة الشعراء ، فيبدأ الشاعر فى الإنشاد: مربوعة لن سويناها على الحول بتفطم طناها
فيرد الحضور : ( هولوا هولو بك ياهولو ) وسط التصفيق ،ومن أمثلة المربوعة قول شاعرهم : مربوعه لن سويناهي.. عالحول بتفطم طناهى
فيرد البداع بقوله : اعطوني الخمس من ايداكو والخمس رواح الدحية
فيرد الرجال في الصفين المتقابلين: هي هيه .. رايحين نقول الريداه(أى نقول الكلام الطيب ).
فيرد البداع المقابل: اعطوني الخمس من ايداكو والخمس حفيف الكينية
فيرد الجمع: هولو هولو بك ياهولو : أى أهلا بك وسهلاَ،
ويرد الشاعر قائلاً : يا هلا ويا هلايتيني.. سلام البدو بالعين
يا مرحب يوم انك جيتي.. فجيتي العتمة وضويتي
ويبدأ الشاعر الثانى فيقول :
يا ربِّ تطلع القمْره.. ونشوف البيضا من السمرا
يا زهرة ف نص الوديان. . وأبوكي شيخ العربان.
وتستمر أغانى المربوعة لوقت ممتد من الليل كذلك .
هذا عن أنّواع الشعر الشعبي النبطى البدوى فى بادية سيناء، وهناك أنواع أخرى فى الخليج العربى تسمى :
1- الشروقي.
2- الجوفيه
3- الهجينه
4- الحداء
5- السحجة أو الحاشية
6- الشعر الزجلي
7 – المطلوع
8 – قصيدة الفن
9- الهولية
10- العتابا
11- الدبكة: وتكثر فى بادية فلسطين ولدى الشوام كذلك .
12 – الدلعونا ، وتكثر فى فلسطين وبادية سيناء، ولدى بادية الشام فى الأردن ولبنان .
وهناك أشكال عديدة تؤدى بمصاحبة الموسيقا وآلات الشعر الشعبى البدوى مثل : المقرونة، الشبابة، الأرغول، الربابة ، وآلات الخليج الخاصة والمملكة العربية السعودية كذلك .
إنه عالم الشعر النبطي، عالم البوادى العربية، يصف أيامها وطرائق معيشتها، تاريخها على مر العصور والتاريخ.