راعية الأغنام سالمة شميط بطلة سيناء وأم الأبطال في حرب الاستنزاف
كتبت شيماء طه
شهدت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل قصص بطولية خالدة .
واحدة من هذه القصص هي قصة السيدة البدوية سالمة شميط، المعروفة في سيناء بـ”أم الأبطال” أو “أم موسى”، التي ضحت بأغلى ما تملك في سبيل تحرير أرض سيناء، وواجهت الاحتلال الإسرائيلي ببسالة نادرة.
سالمة شميط، راعية الأغنام التي لا تحمل سوى عصاها، انخرطت في صفوف المقاومة الشعبية بعد أن فقدت زوجها وابنها الأكبر محمد.
فقد استشهد زوجها في أحد التفجيرات الإسرائيلية بسيناء، حيث لملمت أشلاءه المتناثرة أمام عينيها، وجمعت أبناءها وعزمت على الاستمرار في درب النضال.
كانت أكبر صدماتها استشهاد ابنها الأكبر محمد أثناء زرع أحد الألغام لاستهداف رتل عسكري إسرائيلي.
تركت هذه المأساة أثراً عميقاً في قلبها، لكنها قررت أن تستكمل المشوار مع ابنها الثاني موسى، الذي أصبح بدوره من الفدائيين البارزين في سيناء.
تعلمت سالمة من ابنها موسى كيفية فك وتركيب الألغام، وعملت معه جنباً إلى جنب، حيث كانت تنقل الألغام بواسطة حمارها إلى أماكن حساسة يحددها موسى ليزرعها في طرق الجنود الإسرائيليين.
لم يكن جنود الاحتلال يتصورون أن وراء هذه العمليات المؤلمة امرأة بدوية بسيطة راعية أغنام، لكنها كانت كذلك بالفعل، وظلت مستمرة في تنفيذ مهامها بالرغم من كل المخاطر.
لكن المصير لم يكن رحيماً، إذ أصيب ابنها موسى في أحد التفجيرات، حيث فقد إحدى عينيه وتعرض جسده لشظايا أصابته بكسور خطيرة.
وبينما كان يترنح بين الحياة والموت، ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليه وسجنته في إسرائيل، وحاولت جاهدةً انتزاع اعتراف منه حول منفذي الهجمات. حتى أن السلطات الإسرائيلية سمحت لوالدته سالمة بزيارته في السجن، معصوبة العينين، كي تضغط عليه للاعتراف. لكن سالمة، الأم الصابرة والمقاتلة، همست في أذنه كلمات خلدها التاريخ: “لا تبكي يا وِلْد وخليك راجل. ما زالت أرضنا محتلة، اصمد فالشدائد تصنع الرجال.”
كانت كلماتها بمثابة صاعقة على المحققين الإسرائيليين، ومثالاً للشجاعة والإصرار الذي لا يلين.
واصلت سالمة شميط، أم موسى، مسيرتها النضالية بكل عزم وإرادة، متحديةً كافة التحديات والصعوبات، إلى أن توفيت يوم 6 فبراير 2015. ودعتها شمال سيناء ومصر إلى مثواها الأخير، وخلّفت وراءها إرثاً عظيماً من البطولة والفداء الذي ستبقى ذكراه خالدة في سجلات التاريخ.
بطولات سالمة شميط ليست مجرد قصص تُروى، بل هي جزء من التراث النضالي لسيناء وللشعب المصري.
إنها الأم التي خسرت الكثير، لكن عزيمتها كانت أقوى من الألم.
لقد رسخت ببطولتها نموذجاً فريداً في الصمود والتحدي، ولن تُمحى ذكراها ما دامت الأرض تحمل أجيالاً جديدة تحمل شعلة المقاومة.