دمار الجنوب اللبناني: صراع من أجل البقاء في وجه الهجمات الإسرائيلية
تتواصل معاناة جنوب لبنان وسط حالة من الدمار المستمر، نتيجة تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تترك وراءها مشاهد مأساوية وأزمة إنسانية متزايدة. هذه الهجمات، التي تأتي في سياق محاولات إسرائيل لتدمير البنية التحتية لحزب الله، تثير تساؤلات حول فعالية هذه الاستراتيجية وتأثيرها على مستقبل الصراع في المنطقة، في ظل مخاوف متزايدة من انهيار النظامين السياسي والاجتماعي في لبنان.
تظهر مشاهد المدن المدمرة والحقول المحترقة والمنازل المثقوبة بالرصاص واقعاً مأساوياً يعيشه الجنوب اللبناني، وهو واقع مشابه لما يحدث في غزة. وفقاً لمجلة “فورين بوليسي”، شهد الجنوب واحدة من أشرس حملات القصف الجوي خلال العقدين الماضيين، حيث استُخدمت آلاف الذخائر لضرب مئات الأهداف.
في يوم 23 سبتمبر، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية عن استهداف 1500 هدف باستخدام أكثر من 2000 ذخيرة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص في يوم واحد، وهو العدد الأعلى من القتلى في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية. كما تسببت هذه الهجمات في تشريد أكثر من مليون شخص، مما أثر بشكل عميق على النسيج الاجتماعي في البلاد.
أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن تدمير قرى بأكملها على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، مثل يارون ومارون الراس. حيث أكد مسؤول عسكري إسرائيلي أن بلدات مثل عيتا الشعب وميس الجبل دُمرت عمداً لضمان عدم استخدامها مجدداً من قبل حزب الله.
وحسب ريتشارد وير، الباحث في هيومن رايتس ووتش، استخدمت إسرائيل مجموعة متنوعة من الذخائر، حيث أدت سقوط قذيفتين على مبنى في بلدة عين الدلب إلى انهياره بالكامل ومقتل العشرات. وفي مواقع أخرى، استهدف الجيش الإسرائيلي أسلحة دقيقة لضمان دقة الضربات.
كما نشرت إسرائيل قوات كبيرة على الحدود مع لبنان، تضم وحدات من أربع فرق عسكرية قوامها حوالي 40 ألف جندي، توغلت لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية بهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله. ورغم تأكيدات إسرائيل على عدم نيتها احتلال الجنوب، إلا أنه لا يوجد جدول زمني واضح لانسحاب هذه القوات.
يعتقد البعض أن التواجد العسكري الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط لدعم العمليات الإسرائيلية قد يردع حزب الله وإيران، لكن آخرين يحذرون من أن هذه العمليات قد تؤجج الصراع الطائفي في لبنان. بينما حققت إسرائيل بعض النجاحات التكتيكية، لا تزال المخاوف قائمة من نشوب حرب أهلية جديدة، خاصة مع غياب أي مقاومة داخلية بارزة ضد حزب الله حتى الآن.
في خضم هذا الدمار، تزداد المخاوف من انهيار النظام السياسي والاقتصادي في لبنان. أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، يعبر عن قلقه من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على إعادة بناء الجنوب أو تقديم المساعدات الضرورية للنازحين، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية وزيادة حالة الفوضى.
تسعى إسرائيل إلى إنهاء عصر المقاومة المسلحة ضدها في المنطقة، لكنها لم تحقق بعد الاستقرار الذي تأمله. وبينما يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظهور “شرق أوسط جديد” بعد هذه الحرب، لا يزال الواقع مليئاً بالدمار والضبابية، دون أي ضمانات لتحقيق السلام أو الاستقرار الدائم.
مع استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، تتزايد وتيرة الهجمات التي تستهدف جنوب لبنان، حيث يتهم البعض إسرائيل بالسعي لتحويل المنطقة إلى “غزة ثانية” عبر تدمير البنية التحتية وضرب الاقتصاد اللبناني.
في هذا السياق، قدم المحلل السياسي اللبناني، الدكتور عبدالله نعمة، وجهة نظره حول أهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية وتأثيرها على المجتمع اللبناني والاقتصاد المحلي. وأشار نعمة إلى أن إسرائيل تهدف من خلال عملياتها العسكرية إلى تحويل جنوب لبنان إلى نموذج مشابه لغزة، وذلك عبر تدمير البنية التحتية وضرب الاقتصاد اللبناني، مما يؤكد على أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى بث الفزع وإرهاب المواطنين اللبنانيين. كما أشار إلى أن استهداف مؤسسات حيوية مثل جمعية “القرض الحسن”، التي تلعب دوراً مهماً في القطاع المالي اللبناني، يأتي في صميم هذه الأهداف.
وأكد نعمة أن الهجمات الحالية على مكاتب ومراكز “القرض الحسن” تركز على تدمير المباني فقط، وهي مبانٍ قد تكون مملوكة لمواطنين لبنانيين قاموا بتأجيرها للمؤسسة، مشيراً إلى أن إسرائيل تسعى من خلال تدمير هذه المراكز إلى إثارة الخوف بين اللبنانيين، في إطار حرب تدميرية وحشية تستهدف عموم الشعب اللبناني.
وأوضح نعمة أن العمليات الإسرائيلية ليست موجهة فقط ضد حزب الله، بل تهدف إلى خلق حالة من الفزع والترهيب بين المواطنين اللبنانيين، حيث يستخدم جيش الاحتلال أساليب القمع والتدمير العشوائي لتحقيق أهدافه في المنطقة، وذلك ضمن مخطط أوسع لضرب الاقتصاد اللبناني وإرهاب المواطنين.
وأكد أن هذه الهجمات تأتي في إطار محاولات إسرائيل لزعزعة استقرار لبنان وضرب اقتصاده، لكنها لم تنجح في تحقيق أهدافها، مشدداً على أن الشعب اللبناني سيظل صامداً في مواجهة هذه الاعتداءات، ولن يخضع لمحاولات التخويف والترهيب التي تستهدف كسر إرادته.
