المزيد

تمنع: العاصمة القتبانية الغامضة التي أخفتها الرمال وكشفتها النقوش

تمنع، تلك المدينة اليمنية القديمة التي كانت عاصمة للدولة القتبانية، تقبع على الضفة اليسرى من وادي بيحان السفلي، وما تبقى منها اليوم هو موقع أثري يُعرف باسم هجر كحلان. ورغم أن اسم تمنع ظهر في العديد من النقوش اليمنية القديمة، إلا أن العلماء لم يتفقوا على صيغة واحدة لقراءته. يعود ذلك إلى أن الباحثين الأوروبيين استندوا إلى تهجئة الاسم كما ورد في المصادر القديمة، وارتبطوه باسم قبيلة تمنة الأدومية التي ذُكرت في التوراة. ولم يقتصر تأثير هذه القراءة على الأوروبيين فقط، بل تبعهم العديد من الباحثين العرب المحدثين. ومن أمثلة ذلك، ورود الاسم في معجم يمني حديث بصيغته التوراتية “تمن”، واستخدام نفس الصيغة لتسمية شارع في إحدى المدن اليمنية الكبيرة.

تقع تمنع القديمة على طريق اللبان، إلى جانب شبوة عاصمة دولة حضرموت ومأرب عاصمة سبأ، ما يدل على أهميتها التجارية الكبيرة. ذكرت النقوش أن جماعات معينية وبعض قبائل أمير كانوا يقيمون في العاصمة القتبانية، ويُعرف عن المعينيين وقبائل أمير أنهم كانوا من أشهر التجار الذين اعتمدوا على الجمال في النقل البري على طول طريق اللبان التجاري. حتى اليوم، يمكن مشاهدة بقايا مسلة قتبانية في تمنع، نُقشت عليها قوانين التجارة التي كانت تحكم سوق المدينة، مما يعكس مدى ازدهار هذه العاصمة المنسية التي تنتظر الكشف الكامل عن تاريخها المدفون تحت الرمال.

وفي نهاية عام 1999، تمكنت بعثة أثرية إيطالية فرنسية من اكتشاف معبد قديم في تمنع يعود تاريخه إلى الفترة ما بين القرون الثلاثة قبل الميلاد والقرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وهي فترة ازدهار مملكة قتبان. تبلغ مساحة المعبد حوالي 23.5 مترًا، وكان يُعرف باسم معبد يشهل، وهو مكرس للمعبودة القتبانية “أثيره”. وُجد أن المعبد قام على أنقاض معبد أقدم يعود تاريخه إلى القرن السابع وربما الثامن قبل الميلاد. يُعد هذا المعبد هو الرابع الذي يُكتشف في تمنع، وعُثر في الموقع أيضًا على 185 قطعة أثرية و43 نقشًا صغيرًا، من بينها نقش يشير إلى معبودين جديدين لمملكة قتبان هما ورخ وصورت، ويعود هذا النقش إلى القرن السابع قبل الميلاد.

تبرز هذه الاكتشافات دور تمنع كمركز تجاري وحضاري هام في التاريخ القديم لليمن، وتستمر المدينة في كشف أسرارها ببطء مع كل بعثة أثرية جديدة، لتعيد إحياء ذكرى حقبة مزدهرة من تاريخ شبه الجزيرة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى