حمام الناصري: جوهرة العمارة المملوكية في قلب حلب
يعد حمام الناصري من أروع الحمامات التاريخية التي ما زالت تحتفظ بجمالها وسحرها الأصيل. يقع هذا الحمام العريق قرب قلعة حلب من جهة برجها الغربي، وقد أنشأه الأمير المملوكي يلبغا الناصري الذي وافته المنية عام 1487م، ليصبح الحمام شاهداً على روعة العمارة المملوكية في سوريا.
تاريخ حمام الناصري
يتميز الحمام بواجهة خارجية ملفتة، حيث تتألق الجدران بمداميك متناوبة من اللونين الأصفر والأسود، مما يعطيه مظهراً جذاباً يمزج بين القوة والجمال. من خلال مدخل صغير، يدخل الزوار إلى الحمام عبر ممر منكسر يقودهم إلى القسم البراني، المعروف بالمشلح. هذا القسم الواسع يتميز بأربعة إيوانات معقودة، تتوزع فيها المصاطب والفجوات القوسية التي تستخدم لوضع الملابس والمناشف، بينما تتوسط القسم بركة مثمنة الشكل تزينها نافورة جميلة. يعلو هذا القسم قبة ضخمة مدعومة بأكتاف قناطر الإيوانات عبر زوايا مثلثية كروية، وتسمح فتحات مثمنة في القبة بدخول النور، إلى جانب نوافذ مستطيلة تضفي مزيداً من الإضاءة. زخارف القبة النباتية المطلية بالأحمر والأزرق تعكس الفن المملوكي بأبهى صورة.
في الجهة الشرقية من القسم البراني، يقود مدخل آخر إلى القسمين الأوسط والداخلي المعروفين بالفاتر والساخن. يتكون كل قسم من قاعات رئيسية محاطة بأربعة إيوانات صغيرة تحتوي على غرف حجرية، حيث يوجد في كل منها حوض حجري يستخدم للاستحمام. وتعلو كل قاعة قبة مزودة بنوافذ دائرية مغطاة بالزجاج، مما يسمح بدخول الضوء وخروج البخار، لتصبح الأجواء داخل الحمام مفعمة بالدفء والاسترخاء.
أرضية القسم الداخلي تمثل لوحة فنية بحد ذاتها، فقد رُصفت بأحجار صغيرة بألوان متناوبة بين الأسود والأصفر، تشكل أنماطاً هندسية متداخلة تعكس الدقة والتناسق المعماري. كما يحتوي الحمام على غرف خدمية تشكل مستودعاً للمياه وموقداً لتسخينها، إضافة إلى بئر تقع بجوار المستودع لتوفير المياه.
حمام الناصري لم يكن مجرد مكان للاستحمام، بل كان أيضاً مركزاً اجتماعياً يعكس جمال العمارة الإسلامية المملوكية وروح الحياة اليومية في حلب القديمة، محتفظاً بأصالته وسحره الذي يستقطب الزوار حتى يومنا هذا.