تاريخ ومزارات

سوق عكاظ: ملتقى العرب وأيقونة الثقافة في الجاهلية والإسلام

سوق عكاظ هو بلا شك أحد أعظم أسواق العرب في الجاهلية، حيث اكتسب شهرة واسعة بسبب دوره المحوري في الحياة الاقتصادية والثقافية للعرب آنذاك. بدأت فعاليات السوق بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة، أي حوالي عام 540م، واستمر حتى تعرض للنهب على أيدي الخوارج الحرورية في عام 129هـ أثناء خروجهم مع المختار بن عوف في مكة.

تقع عكاظ بالقرب من مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، حيث كانت تستقطب القبائل العربية في طريقهم إلى الحج. يجتمعون في مكان يُعرف بـ “الإبتداء”، ليحيوا سوقًا مزدهرة تشهد حضورًا واسعًا للشعراء الذين كانوا يعرضون أروع قصائدهم في احتفالات عامة، ما يجعل هذه القصائد تنتشر في كل بقاع الجزيرة، وهي أمنية كل شاعر.

لم يكن لعكاظ دور اقتصادي فقط، بل كانت أيضًا مدرسة لغوية عظيمة. فقد كان الشعراء والخطباء يتبارون بأفصح الكلمات وأبلغ العبارات، ما ساهم في تهذيب اللغة العربية وإثرائها. وقد كانت قريش من أوائل القبائل التي استفادت من هذا السوق بفضل قربها منه، مما ساعدها على تبني أفضل ما في اللغة العربية، وهو ما أسهم في نزول القرآن الكريم بلهجتها الفصيحة.

اسم “عكاظ”: بين الفخر والتحدي

يحمل اسم “عكاظ” دلالات عديدة ترتبط بطبيعة السوق وما يجري فيه من منافسات وتفاخر بين العرب. يُشتق الاسم من “عكظ” التي تعني الحبس أو القهر، مما يرمز إلى التفاخر والمجادلة التي كانت تحدث بين الشعراء والخطباء في هذا السوق. هذا المعنى يعكس بوضوح طبيعة التحديات والمنافسات التي كانت تدور في هذا السوق الكبير.

موقع سوق عكاظ وحدوده الجغرافية

تقع عكاظ في أعلى نجد، على بعد ليلة من الطائف وثلاث ليالٍ من مكة. كان السوق يقام في وادٍ يحيط به النخيل والصخور، حيث كانت القبائل تحج إليه وتطوف بصخرة مقدسة. يحد السوق من الجنوب أكمة العبلاء، وهي أكمة بيضاء بارزة، ومن الغرب أكمة الأثيداء. أما من الشمال فيحده وادي عكاظ، ومن الشرق جبل صغير يسمى الحريرة.

انعقاد السوق وفعالياته

كانت العرب تقيم سوق عكاظ في شهر شوال وتنتقل بعدها إلى سوق مجنة، ثم في النصف الثاني من ذي القعدة. كانت السوق تتميز بحضور كبير من التجار والخطباء والشعراء من جميع أنحاء الجزيرة، حيث كان يتجمع الألوف في هذا السوق لممارسة التجارة، والمشاركة في المناظرات الشعرية والخطابية، وإبرام الصفقات والتحالفات. لقد كانت عكاظ بحق ملتقى لأبرز الأحداث والفعاليات في الجزيرة العربية.

يروى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حضر سوق عكاظ، وكان يتنقل بين القبائل ليدعوهم للإسلام. ومن المشاهد التي شهدها هناك كانت خطبة قس بن ساعدة، الذي حفظ النبي بعض كلماته. كانت هذه الفترة تمثل فرصة ثمينة للنبي للتواصل مع مختلف القبائل وإيصال رسالة الإسلام.

عكاظ: تجارة وثقافة وإعلام

 

تميزت سوق عكاظ بكونها تجمع بين التجارة والثقافة والإعلام في آن واحد. فكانت مكانًا للتجارة وتبادل الأسرى وإبرام الصفقات، وأيضًا مركزًا للثقافة والشعر والخطابة. كانت عكاظ منصة للإعلام العربي القديم، حيث كانت تسجل الأحداث المهمة وتوثق المواقف التي تعكس حياة العرب في العصر الجاهلي.

انتهاء سوق عكاظ

وفقًا للمصادر التاريخية، بدأ السوق بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة واستمر حتى تعرض للخراب في عام 129هـ عندما نهبها الخوارج. رغم انتهاء فعاليات السوق منذ قرون، إلا أن تأثيره الثقافي واللغوي ما زال حاضرًا في الذاكرة العربية.

حدود سوق عكاظ الجغرافية

حدد الباحثون المحدثون حدود سوق عكاظ بدقة، حيث تم تحديد الموقع من الجنوب بأكمة العبلاء ومن الغرب بأكمة الأثيداء. أما من الشمال فيحده وادي الأخيضر، ومن الشرق الحريرة. كانت هذه الحدود واضحة، مما ساهم في تحديد موقع السوق بدقة من قبل الباحثين المعاصرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى