تاريخ ومزارات

“سراي محمد علي” القصر المرتبط بالفاجعة ..لماذا؟

قبل أن يقرر محمد علي بناء قصره الرائع بعيدًا عن مؤامرات المماليك وحي بولاق أبو العلا، كانت منطقة شبرا، كما تبدو في خريطة القاهرة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية في عام 1800. أرضًا زراعية تمتاز بوجود العديد من البساتين وبعض المساكن المتناثرة وأشجار الجميز.

محمد علي باشا بدأ في تطوير هذه المنطقة. حيث فتح طريقًا من باب الحديد إلى شبرا، وأضاف له جمالًا بزراعة أشجار الجميز والأكسيا. وسمي هذا الطريق “جسر البحر”، وهو ما يعرف اليوم بشارع شبرا. وكلف المهندس ذو الفقار كتخدا بمهمة إشراف بناء القصر، الذي صممه قنصل فرنسا في مصر دروفتي. وكان دروفتي صديقًا مقربًا لمحمد علي.

مراحل بناء سراي محمد علي

تم بناء  سراي محمد علي على مراحل مختلفة بدءًا من عام 1808 ولمدة 13 عامًا، وتمت إضافة مرافق إليه خلال حكم محمد علي وخلفائه، مثل حوض الفسقية عام 1821 وسراي الجبلاية عام 1836. وفي عام 1811. أمر محمد علي بحرث الأراضي المحيطة بالقصر لإنشاء حديقته وزراعتها بمختلف الزروع والأشجار.

تأثرت عمارة القصر بالفنون الأوروبية والعربية والتركية. وكانت هذه البداية التي دفعت الأمراء لاقتفاء أثر محمد علي، حيث انتشرت القصور والحدائق على جانبي شارع شبرا. وكان سراي جسر البحر مكانًا لأهم الحفلات في عهد محمد علي. حيث كان يستقبل فيه الأمراء والضيوف وقناصل الدول الأجنبية حتى وفاته.

كان هذا السراي رمزًا للتطور التقني والرفاهية في زمانه، إذ قام محمد علي بتجهيزه بنظام إضاءة بغاز الاستصباح. وهو الأمر الذي كان غير مألوف في مصر في ذلك الوقت وأدخل الحداثة إلى القصر. كانت تكلفة هذا الإضاءة الحديثة في ذلك الوقت تصل إلى ألفين وخمسمائة قرش.

وإلى جانب الإضاءة الحديثة، كان القصر يتميز بتجهيزاته الفاخرة والتحف الثمينة، مثل النجف والتحف المصنوعة من الكريستال والبرونز. والأثاث الفاخر الذي لا يزال بعضه محفوظًا حتى اليوم. من بين هذه التحف الفاخرة. يبرز طقم الصالون الفرنسي المذهب الذي ما زال رقمه وموديله محفوظا في سجلات الشركة المصنعة. إلى جانب ستائر القصر والأباليك وشمعدانات الحائط والصور والتابلوهات التي تعكس حياة محمد علي وزوجاته.

وكانت مائدة البلياردو التي تلقاها محمد علي كهدية من ملك فرنسا تجسيدًا للعلاقات الدولية والتبادل الثقافي بين مصر وفرنسا في تلك الفترة.

القصر مرتبطً بالحزن والفاجعة

رغم كل جماله وروعته، إلا أن السراي شهد أحداثًا مؤلمة تجعله مصدرًا للشائعات والأساطير المظلمة. في أحداث تلك الفترة، استقبل بهو السراي جثة ولد محمد علي الأمير طوسون، ما جعل القصر مرتبطًا بالحزن والفاجعة.

وتتوارد القصص والأساطير حول حوادث غامضة تتعلق بالسراي، حيث يذكر حادثة فقدان الشيخ عبدالرحمن الجبرتي، الذي دعاه محمد علي لزيارته في القصر، ولكنه فقد حياته في طريقه إليه. يُعتقد أنه تعرض لاغتيال ودفن دون معرفة مكان قبره، مما أثار الشكوك والاتهامات المتبادلة بين قطاع الطرق وأعوان محمد علي.

هذه الأحداث المأساوية أضفت إلى سمعة السراي بأنه مكانًا منحوسًا، ما أثر على سمعته بين الناس وأضاف إليه الغموض والجدل.

مساحة القصر

كان السراي يتألف من 13 مبنى، ولكن اليوم لم يبق سوى ثلاثة منها، من بينها قصر الفسقية الذي بُني على مساحة تقدر بحوالي 776 مترًا مربعًا. كان محمد علي يجلس في منتصف هذا القصر يتابع الاحتفالات التي كانت تجري حوله، وكان يصل إليه بقارب صغير ليشاهد أروقة البركة التي جلس بها كبار الزوار.

أما سراي الجبلاية، فكان يُشيد على شكل هرمي، وقد صممه المفتش الهندسي أحمد بك، وكان مخصصًا لحريم القصر.

أما أقدم الأبنية الأثرية المتبقية في السراي، فتعود إلى عام 1811، حيث يقع في الساقية بالطرف الشرقي لحديقة القصر. وهو بناء ضخم يضم 4 آبار تركب عليها سواقي رفع المياه، بالإضافة إلى وجود بئرين لتجميع المياه قبل توزيعها عن طريق فتحات خاصة.

ومع ذلك، فقد تم هدم وإزالة العديد من المباني الأخرى التي كانت تضمها السراي في فترات مختلفة، بما في ذلك مقر الحرملك الذي تم هدمه أثناء شق ورصف طريق “القاهرة – الإسكندرية” الزراعي، وذلك عندما قرر الملك فؤاد الأول البدء في هذا المشروع، مما دفعه لإزالة القصر الذي كان يطل على النيل مباشرة في ضاحية شبرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى