قبائل و عائلات

قبيلة «ودابى» بجمهورية النيجر..الرجال يضعون أحمر الشفاه وأدوات التجميل لتخطبهم الفتيات الجميلات

أحمد كمال إبراهيم

 

هل فكرت يوماً أن تخطبك امرأة؛ أو تعاكسك فتاة؛ وتتغزل في جمالك، وقوتك ؟!. وهل فكرت أن تطرق بيتك فتاة لتطلبك من والديك؟ ثم هل فكرت أن تتقدم لمسابقة لاختيارك ملكاً لجمال القارة السوداء ؟! ثم هل قرأت عن شعر الغزل في الرجال، وليس النساء كما في أغلب دول العالم ؟! .

أعاجيب لن تراها إلا في جمهورية النيجر، التى يدين 99,3% من أهلها بالإسلام، والتي تسمى كذلك «بلاد إفريقيا السوداء»؛ فهى بلد الأعاجيب، والطرافة، وبلد الحب والعشق أيضاً ، وبلد تتعانق فيها الأديان، والمعتقدات، والأساطير، كما تنتشر بها الطرق الصوفية كالتيجانية وغيرها،علاوة على وجود المساجد، إلى جانب المعابد والكنائس أيضاً .

 

 

انتشر الإسلام في النيجر بداية القرن العاشر الميلادي قادما من شمال إفريقيا؛ وقد ساعد بشكل كبير على تشكيل العادات والتقاليد لشعب النيجر، ويدين أغلب سكان النيجر بالإسلام؛ مع وجود تجمعات صغيرة يدين أهلها بالديانات الإحيائية وتجمعات أخرى يدين أهلها بالمسيحية. وقد ساعد على انتشار الأخيرة العديد من البعثات التبشيرية التي قدمت للبلاد إبان الاحتلال الفرنسي للنيجر؛ بالإضافة إلى المغتربين من أوروبا وغرب إفريقيا.

 

 

وتعد النيجر من أكثر بلاد العالم فقراً، رغم اعتمادها على تصدير اليورانيوم، وبعض النفط، والمواد الخام والزراعة مصدر رزقهم هناك.

 

 

الموقع الجغرافى ودول الجوار

النيجر دولة حبيسة بغرب أفريقيا؛ وتقع في المنطقة الجغرافية الفاصلة بين الصحراء الكبرى والمنطقة الواقعة جنوبها والتي تدعى بـإفريقيا السوداء، وتقع في حدود دائرة عرض 16 درجة شمالا وخط طول 8 درجات شرقا، وتبلغ مساحتها 1,267,000 كم مربع (489,191 ميلا مربعا) كما تغطي المسطحات المائية مساحة 300 كم مربع (116 ميلا مربعا) من إجمالي مساحة الدولة.

 

تأتي النيجر في المرتبة الثانية والعشرين عالميا من حيث المساحة التي تقل قليلا عن ضعف مساحة فرنسا، وتحد جمهورية النيجر سبع دول من جميع الجهات ويبلغ طول شريطها الحدودي 5,697 كم إجمالا (3,540 ميلا) وتعد حدودها مع نيجيريا في الجنوب هي أطول الحدود حيث تبلغ 1,497 كم (930 ميلا)، ثم حدودها مع تشاد شرقا 1,175 كم (730 ميلا)، ثم الجزائر في الشمال الغربي 956 كم (594 ميلا)، ومالي 821 كم (510 أميال)، ويفصلها شريط قصير عن بوركينا فاسو في الجنوب الغربي يبلغ طوله 628 كم (390 ميلا)، وبنين وطوله 266 كم (165 ميلا) وأخيرا حدودها في الشمال الشرقي مع ليبيا بطول 354 كم (220 ميلا).

 

كما تكثر بها غابات السافانا، والهضاب؛ وتعلوها قمة جبل إيدوكال نيتغريس بسلسلة جبال إيار ماسيف أعلى نقطة جغرافية بالبلاد.

 

والنيجر عضو مؤسس فى الاتحاد الإفريقي وكذلك المجلس النقدي لدول غرب إفريقيا، كما تعد عضوا في منظمة دول حوض نهر النيجر ومنظمة دول حوض بحيرة تشاد والمجلس الاقتصادي لدول غرب إفريقيا ومنظمة دول حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة العمل الإفريقي.

 

كما تتحد المناطق الموجودة في أقصى غرب الدولة مع المناطق المتاخمة من دولتي مالي وبوركينا فاسو داخل منظمة ليبتاكو – جورما الاقتصادية والتي تسعى لتنمية هذه المناطق من الدول الأعضاء.

 

 

ملك جمال الرجال

تعد قبيلة «ودابى» واحدة من أقدم القبائل في العالم، فهم بقايا سلالات “الشعب” الفولاني، في وسط وغرب أفريقيا؛ كما أنهم من القبائل الرُحّل ؛ كقبائل ” الطوارق” ، لذا وجدناهم يتوزعون في أجزاء من نيجيريا والكاميرون وتشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر، ولقد حافظت على تراثها البدائي، ويعتبرون رجالهم “الأوسم، والأكثر جمالاً في العالم” لذا لاغرابة أن يضع الرجال “أحمر الشفاه والمساحيق” ليتزينوا بها، كى تخطبهم البنات، وليبرزوا قوتهم كذلك، ولقد ظهر ذلك في أشعارهم وأغانيهم الحماسية التى تتغزل بالرجل، لا كعادة الشعراء في كل العالم الذين يتغزلون بالأنثى .

 

 

وتنظم قبيلة «ودابى» مهرجاناً سنوياً يطلقون عليه اسم «جيريول»، ويعني «ملوك الجمال»، ويقام في شهر سبتمبر من كل عام عند نهاية موسم الأمطار، والانتهاء من التعب في الزراعة والحصاد؛ ويستمر المهرجان لمدة سبعة أيام وثماني ليالٍ؛ في موقع من الصحراء الواقعة بين النيجر وتشاد، حيث يرقص الرجال أمام النساء لمدة سبع ساعات ليحصلوا على رضا وقبول إحداهن للزواج، فيما تتنافس النساء على الأجمل والأوسم من الرجال، ويخترن منهم، والمهرجان قاصر على سكان القبيلة فقط، ولا يشاركهم أحد من الغرباء.

 

 

 

الاستعمار الفرنسى والثقافات المحلية

نجح الاستعمار الفرنسى في بدايات القرن العشرين في صبغ الثقافة هناك بالتعددية والاختلاف؛ حيث عمل على دمج العديد من الثقافات ومزجها وصهرها في بوتقة واحدة ليخرج لنا ما هو معروف الآن بثقافة النيجر؛ وهى مزيج لدمج أربع ثقافات متباينة لشعوب مختلفة استوطنت المكان؛ وهى ثقافة ” قبائل الدجيرما”، التي استوطنت المنطقة الواقعة حول حوض نهر النيجر في الجنوب الغربي، و” قبائل الهوسا” فى الشمال؛ والتي كونت دويلات صغيرة قاومت استعمار “خلافة صكتو”؛ ولقد امتدت تلك الدويلات حتى وصلت للحدود الجنوبية للبلاد مع نيجيريا، وهناك أيضا “مزارعي الكانوري” الذين استوطنوا حوض بحيرة تشاد في أقصى شرق البلاد، وقبائل “التوبو الرعوية”؛ التي كانت في يوم من الأيام جزءا لا يتجزأ من إمبراطورية ” قانم “- بورنو الإسلامية، وأخيرا قبائل “الطوارق البدوية “الذين يسكنون المناطق الشاسعة شمال البلاد التي تغطيها الصحراء الكبرى وسلاسل جبال أيار ماسيف، ولها امتدادات فى ” ليبيا ” كذلك.

 

وحتى التسعينيات من القرن الماضي بقيت السلطات الحكومية والمناصب السياسية العليا في أيدي أبناء الجماعات العرقية التي استوطنت نيامي وأهالي الدجيرما المنتشرين في المناطق المحيطة دون أدنى تمثيل لأبناء قبائل الهوسا ساكني المناطق الحدودية بين بلدتي بريني – إنكوني ومايني سوارا حيث ظهر تأثيرهم أكثر وضوحا في الحياة السياسية بدولة نيجيريا المجاورة .

 

النيجر بلاد المتصوفة والتسامح الدينى والعرقى

انتشر التصوف فى النيجر بكثرة، وتعد الطريقة التيجانية هى الأم للطرق الصوفية هناك ، إلى جانب وجود جماعات صغيرة تتبع طرقاً صوفية أخرى مثل : الطريقة الحمالية والطريقة النياصية، و كلتاهما منبثقة عن الطريقة التيجانية في الغرب، والطريقة السنوسية في أقصى الشمال الشرقي للبلاد حيث الحدود مع ليبيا.

 

 

وبالرغم من ذلك، تحافظ النيجر على الظهور بمظهر دولة القانون العلمانية، كما تظهر الحياة في النيجر علاقات وطيدة وقوية بين معتنقي المذاهب والتيارات الدينية المختلفة وتتسم الممارسات الدينية لمسلمي البلاد بالتراحم وتقبل معتقدات الآخر مهما كانت والبعد عن التشدد وعدم التعرض للحريات الشخصية لمعتنقي الديانات الأخرى.

 

وحالات الطلاق وتعدد الزوجات تكاد تكون معدودة في النيجر، والنساء هناك غير منعزلات وارتداء الحجاب ليس ضروريا ولا تفرضه السلطات أو الهيئات، كما تقل نسبة المحجبات في التجمعات العمرانية الكبيرة، ويتم بيع الخمور المنتجة محليا دون قيود في معظم مناطق الدولة.

 

المعتقدات الإحيائية والديانات الوثنية فى قبائل النيجر

لا يزال هناك عددٌ محدودٌ من سكان النيجر يمارسون بعض الديانات والمعتقدات الإحيائية ولا يدينون بأي ديانة إبراهيمية، ولكن لا يوجد إحصاء محدد يذكر هذه الأعداد بوضوح، فحتى القرن التاسع عشر من الميلاد، لم يصل الإسلام إلى المناطق الجنوبية الوسطى من البلاد، حتى تغلغله في المناطق القريبة لم يكن كاملاً، مما حدّ من انتشاره في هذه البقاع، ولكن تظل هناك تجمعات مسلمة تمارس شعائرها الدينية حيث يقطن الرعاة من الودابي والتوبو وقبائل الهوسا أصحاب المعتقدات الإحيائية، وذلك ردّاً على إقامة هذه الجماعات لشعائرها الدينية الخاصة.

 

وتنتهج النيجر سياسة خارجية معتدلة وعلاقات صداقة وطيدة بالدول الغربية ودول العالم الإسلامي ودول حركة عدم الانحياز، وهي عضو بـالأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، كما كانت عضوا في مجلس الأمن خلال عامي 1980 و1981م؛ كما تحافظ النيجر على علاقات خاصة مع فرنسا ودول الجوار الأخرى بغرب إفريقيا.

 

إنها النيجر بلد الأعاجيب والغرائب، وبلد الفقر المدقع، كما أنها بلد التسامح وتقبل الآخر، فلا يوجد تشدد أو عنف هناك، بل تعيش أغلب مناطق الدولة عالم الفطرة الكونى، لتشرق شمس إفريقيا السوداء عليهم كل صباح بالنور والخير، وتزقزق عصافير الحب محلقة بالنور، عبرغابات السافانا الجميلة، وعبر الأشجار الاستوائية العريقة الشامخة هناك .

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى