د. محمد السعيد إدريس يكتب: انسحاب بايدن ولقاء أردوغان ــ الأسد
توقعات حدوث حالة من الارتباك والاضطراب السياسي في الولايات المتحدة، كواحدة من أهم نتائج اضطرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للانسحاب من معركة الانتخابات الرئاسية التي بلغت ذروتها باختيار الحزب الجمهوري للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مرشحاً باسم الحزب في تلك الانتخابات، فرضت العشرات من الأسئلة المهمة تتعلق بقضايا عالمية ساخنة للولايات المتحدة، من أهمّها ما يخص إقليم الشرق الأوسط. من هذه الأسئلة، وأبرزها كيف ستؤثر الأشهر الخمسة المقبلة، من الآن وحتى تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب مهامه الرئاسية في يناير/ كانون الثاني من العام المقبل، بما سوف يسودها من اضطراب وارتباك سياسي أمريكي، في إدارة ملفات القضايا الساخنة في المنطقة؟ وكيف ستتعامل الأطراف الأخرى، الدولية والإقليمية، مع تلك الملفات؟ هل ستشهد بعض القضايا انفراجات.. ما هي؟ وهل ستشهد قضايا أخرى تعقيدات.. ما هي؟
الأسئلة كثيرة، وأكثرها يتعلق بالطبع بمستقبل حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة، واحتمالات توسع، أو احتواء هذه الحرب، بخاصة بعد التطورات النوعية والمتصاعدة بين اليمن وإسرائيل، لكن هناك قضية أخرى لفتت الانتباه ضمن تلك القضايا الساخنة، وهي قضية العلاقات التركية – السورية، وفرص اللقاء المحتمل بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد، في ضوء تطوّرين مهمّين يتعلقان بهذه القضية، أولهما تكثيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعلاناته، وتأكيداته، وحرصه على اللقاء قريباً مع الرئيس السوري بشار الأسد، مدعوماً بأدوار وساطة روسية وعراقية، لا تخلو من أضواء خضراء إيرانية بالنسبة إلى بغداد. وثانيهما إعلان الإدارة الأمريكية أنها «لا تدعم جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع الأسد»، مؤكدة أن تلك المحاولات «لن تسفر عن نتائج».
ونقلت وسائل إعلام تركية (الأربعاء 17/7/2024) عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن موقف الولايات المتحدة واضح، وأنه «لا يقبل تطبيع العلاقات مع حكومة الأسد من دون اتخاذ خطوات جادة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية». وقال المتحدث «رأينا تقارير عن جهود تركيا والحكومة السورية لتطبيع العلاقات، والولايات المتحدة لا تدعم هذه الجهود».
هذا الرفض الأمريكي الصريح لمساعي تطبيع العلاقات التركية – السورية، يكتسب أهميته لكونه جاء في أعقاب مشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في قمة الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي استضافتها واشنطن، أخيراً، وافتتحها الرئيس الأمريكي جو بايدن. فمن المؤكد أن أردوغان قد تحدث مع بايدن، على هامش تلك القمة، عن عزمه على تطبيع العلاقات مع سوريا ضمن قضايا أخرى مشتركة بين أنقرة، وواشنطن.
هنا يجدر التساؤل عن الإجابة التي تلقّاها الرئيس التركي من الرئيس الأمريكي، وكيف أن الرئيس التركي تعمد أن يؤكد للصحفيين، وهو في طريق عودته من واشنطن عقب انتهاء القمة الأطلسية، استمرار العمل على وضع خريطة طريق للقائه (المنتظر) مع الرئيس السوري بشار الأسد، مطالباً الولايات المتحدة وإيران، بدعم «تحقيق السلام مع سوريا»، وتأكيده أن وزير خارجيته، حاقان فيدان، يعمل على خريطة طريق للقاء الأسد.
واضح أن الرئيس التركي لديه دوافع قوية جعلته يتحدّى التحفظات، بل و«الرفض» الأمريكي للقاء الرئيس الأسد، وتطبيع العلاقات، فكيف سيكون الحال في الأسابيع المقبلة التي ربما ستشهد اضطرار الرئيس بايدن إلى مغادرة البيت الأبيض، بعد انسحابه من معركة الانتخابات الرئاسية، ودعوة رئيس مجلس النواب الأمريكي له ب«الاستقالة فوراً»، ما يعنى أن قبضة بايدن على إدارة الحكم في حال بقائه، لن تكون بذات القوة، وأن الارتباك والاضطراب اللذين سيحكمان أداء الإدارة الأمريكية في الأشهر المقبلة يمكن أن يتيحا فرصاً مواتية لبعض شركاء واشنطن للتمرد على سطوة ضغوطها، وقوة نفوذها في قضايا خلافية مشتركة.
هل ستصل الرسالة كاملة إلى الرئيس أردوغان، ومن ثم سيكون أكثر استعداداً نحو دمشق، واعتبار الأشهر المقبلة فرصة لتطبيع العلاقات معها على النحو الذي يريده، ومن ثم سيكون أكثر انفتاحاً وجدّية في التعامل مع القضايا الخلافية المحورية التي تعرقل تجاوب الرئيس السوري مع مبادرات التقارب التركية؟ وهل سيكون الرئيس الأسد أكثر استعداداً للانفتاح مع مبادرة الرئيس التركي والتعامل باهتمام مع «خريطة الطريق» التي كلف وزير الخارجية التركي بإعدادها للانفتاح على سوريا، ومراجعة المنهاجية السورية التقليدية للتعامل مع تركيا: حل القضايا الخلافية أولاً قبل تطبيع العلاقات، ثم انعقاد لقاء القمة السورية – التركية المنتظرة كتتويج لإنجاز تلك المهام، أم القبول بالتطبيع وانعقاد القمة الرئاسية، ومنها يوظف مناخ التطبيع لحل القضايا الخلافية واستعادة أجواء «الشراكة الاستراتيجية» السابقة بين البلدين، قبل تفجّر الأزمة السورية عام 2011؟
الأسئلة مهمة، والتوقيت أيضاً مهم، لكن تبقى الإجابات مرهونة برؤية كل من أنقرة ودمشق، للتطورات الإقليمية المنتظرة في الأشهر المقبلة.