أنساب

لماذا سميت غزوة السويق بهذا الاسم؟

لماذا سميت غزوة السويق بهذا الاسم؟

وقعت احداث غزوة السويق في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة النبوية، وهذه الغزوة وما شابهها ـ على صغرها وعدم حدوث قتال فيها ـ أشعرت المشركين في مكة، واليهود والمنافقين في المدينة المنورة، والأعراب خارج مكة والمدينة، أن دولة المسلمين الجديدة دولة قوية، وأن المسلمين أشداء أقوياء، ولن يصدهم عن دينهم ودعوتهم إليه شيء، وهذا من باب إعداد وإظهار القوة للذين يكيدون للإسلام .

وتعد غزوة السويق وغيرها من غزوات وسرايا صغيرة دورات تربوية وعسكرية للصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان المنهج النبوي يهتم بتربية الصحابة في المسجد، بتهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتنوير العقول، ولا يغفل عن تربيتهم وإعدادهم كذلك في ميادين القتال والجهاد من خلال السرايا والغزوات وإن صغرت، ومن ثم جمع المنهج النبوي الكريم بين التربية الأخلاقية والتربية العسكرية، حتى يثبت ويقوى المجتمع المسلم الجديد، ويقوم بدوره بنشر الإسلام في آفاق الدنيا كلها .

وقد ذكر غزوة السويق ابن هشام في “السيرة النبوية”، وابن سعد في “الطبقات الكبرى”، وابن سيد الناس في “عيون الأثر”،   وغيرهم، وفيها: “حين رجع (أبو سفيان) إلى مكة، ورجع فَلُّ قريش (القوم المنهزمون) من بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة (الغسل من الجنابة كان معمولاً به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم) حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب من قريش، لِيَبَرَّ يَمِينَه، فسلك النَّجْدِيَّة، حتى نزل بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلى جبل يقال له: ثَيْبٌ، من المدينة على بَرِيدٍ (تسعة عشر كيلو متر) أو نحوه، ثم خرج من الليل، حتى أتى بني النضير تحت الليل، فأتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلى سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم (المال الذين كانوا يجمعونه لنوائبهم وما يعرض لهم)، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه (قدم له طعام الضيف) وسقاه، وبطن له من خبر الناس (أعلمه من أسرار المسلمين، خيانة منه)، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها، يُقال لها: الْعَرِيض (واد بالمدينة به أموالا لأهلها)، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ (مجموعة) مِنْ نَخْلٍ بها، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحلِيفاً له فِي حَرْثٍ لهما، فقتلوهما، ثُمَّ انصرفوا راجعين. فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في أثرهم يطلبهم في مائتين من المهاجرين والأنصار، واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه، فجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جُرَب (جمع جراب، وهو وعاء من جلد) السويق، وهي عامة أزوادهم، يتخففون منها للنجاء (للهرب بسرعة)، حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ (ماء لبني سليم قريبة من المدينة)، ثم انصرف راجعاً إلى المدينة، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وَقَدْ رأوْا أزْوَاداً منْ أَزْوَادِ الْقَوْم قَدْ طرحوها في الْحَرْث يَتَخَفَّفُون منها للنَّجاء، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: نعم”.
حرصت قريش منذ مصيبتها ونكبتها في بدر على الأخذ بثأرها من المسلمين، فلم تغنها غزوة السويق شيئاً، بل زادها فرارها المشين عاراً جديداً على عارها في بدر، وأضاع مقداراً كبيراً من تمويناتهم ـ السويق ـ والذي سُمِّيَت الغزوة به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى