د.محمد السعيد ادريس يكتب:إيران ومأزق «الصبر الإستراتيجى»

د.محمد السعيد ادريس يكتب:إيران ومأزق «الصبر الإستراتيجى»

الهجوم الذى شنته إسرائيل بطائرات الشبح (إف 35- الأمريكية) يوم الاثنين (أول إبريل الحالى) على مقر القنصلية الإيرانية بدمشق وأدى إلى تدمير كامل للمبنى واستشهاد 13 شخصاً منهم سبعة من كبار القادة فى «فيلق القدس» بالحرس الثورى الإيرانى على رأسهم قائد فيلق القدس فى كل من سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة الجنرال محمد رضا زاهدى يكاد يكون قد أطاح بمعادلة الاستقرار الإقليمى ومجمل ما يمكن وصفه بـ «تفاهمات أمريكية – إسرائيلية» تقضى بعدم توسيع الحرب الدائرة فى غزة منذ هجوم طوفان الأقصى وعدم توسيعها إلى «حرب إقليمية شاملة»، لذلك فإن مجموعة من الأسئلة المهمة باتت تفرض نفسها بكثافة، أولها، لماذا تهور بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة إسرائيل وأعطى تعليماته إلى قواته بشن هذا الهجوم ؟

وثانيها: هل الولايات المتحدة الأمريكية شريك فى هذا الهجوم، أم أنها فوجئت به، على حد ما تزعم داخل مجلس الأمن الدولى أو على المستوى الإعلامى؟ لأن علم الولايات المتحدة بالهجوم وإعطاءها ضوءاً أخضر لنيتانياهو لتنفيذه يحمل دلالات خطيرة أبرزها أن الولايات المتحدة عدّلت من موقفها السابق طيلة الأشهر الستة الماضية من عمر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وأنها أضحت لها مصالح فى توسيع الحرب، فما هى هذه المصالح التى أقنعت واشنطن بالتحول من خيار «الحرب المحدودة» بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بمشاركة أطراف من جبهة المقاومة إلى حرب إقليمية شاملة تدخل فيها الولايات المتحدة وإيران كطرف مباشر ضمن الأطراف الأخرى المتحاربة.

ثالثها: كيف سترد إيران على العدوان الإسرائيلى على مبنى دبلوماسى يحظى بالسيادة الوطنية: هل ستتبنى خيار الحرب الإقليمية الشاملة أم ستكون حريصة على تجنب هذا الخيار، وتبقى قابضة على الجمر ملتزمة بخيار «الصبر الاستراتيجي» كخيار له كل الأولوية إلى أن تحين ساعة المواجهة الشاملة التى تعد لها حسب تقديراتها الاستراتيجية، حرباً تنهى وجود كيان الاحتلال الإسرائيلى، وتكتفى بـ «رد له اعتباره كاف لحفظ ماء الوجه الإيرانى. كبار الخبراء الإستراتيجيين والعسكريين فى الولايات المتحدة وداخل كيان الاحتلال على يقين كامل بأن «إيران سوف ترد»، لكن الخلاف يتركز حول طبيعة وحدود الرد الإيرانى المنتظر، فى ظل المعادلة التى طرحها المرشد الإيرانى الأعلى السيد على خامنئى صبيحة يوم العدوان (الثلاثاء 2/4/2024) عندما وعد بـ «رد يجلب الندم» لكيان الاحتلال، وتوعده هذا الكيان بأنه «سينال عقابه على هذه الجريمة ومثيلاتها». هل سينفذ هذا التهديد وهل ستدخل الولايات المتحدة طرفاً ضمن عملية الانتقام باعتبارها شريكاً أساسياً فى هذا الهجوم، أم سيتركز على إسرائيل دون الولايات المتحدة حرصاً على تجنب انهيار معادلة تفادى حدوث «حرب إقليمية موسعة» كانت إيران لا تريدها على مدى الأشهر التى مضت عقب تفجر «طوفان الأقصى» وكانت لا تريدها الولايات المتحدة، والآن أضحى الموقف ملتبساً. فمنذ هجوم طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023) ومردوده شديد القسوة على كيان الاحتلال الإسرائيلى وضعت الإدارة الأمريكية لنفسها ثلاثة أهداف ضمن قرارها الدفاع عن إسرائيل والحيلولة دون سقوطها على نحو ما أكد الرئيس جو بايدن. أول هذه الأهداف هو سرعة الدفع بمساعدات أمريكية كبيرة لإسرائيل، وحشد الرأى العام الأمريكى والغربى، بصفة خاصة، وراء مساندة إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها، وتبرير الاجتياح العسكرى الإسرائيلى لقطاع غزة، ومنع كل محاولة لمنع توقف حرب الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. أما الهدف الثانى فهو القضاء على حركة «حماس» وتقديم كل الإسناد المادى والمعنوى لتحقيق هذا الهدف. ثالث الأهداف، الذى لا يقل أهمية، وربما يزيد هو منع إيران و«حزب الله» وباقى حلفاء إيران فى قوى المقاومة فى اليمن والعراق من شن هجمات على إسرائيل، وذلك عبر «رسائل تهديد وتحذير» مباشرة وغير مباشرة، استهدف ردع إيران وحلفائها من أى تورط فى الحرب، عبر استخدام كل وسائل الردع العسكرية والمعنوية لمنع توسيع الحرب فى قطاع غزة، وعزل كل أطراف «محور المقاومة» عنها لتمكين إسرائيل من تكثيف كل قدراتها العسكرية للحرب فى قطاع غزة والقضاء النهائى على حركة «حماس» وتخليق «واقع أمنى- عسكرى جديد» يحول دون تعرض كيان الاحتلال الإسرائيلى مستقبلاً لأى نوع من أنواع التهديد لأمنها مجدداً من قطاع غزة، وعدم تكرار تجربة «طوفان الأقصى» مرة أخرى. إيران هى الأخرى كانت لها مصالح فى خيار عدم توسيع الحرب فى غزة وتجنب خيار «الحرب الإقليمية الموسعة»، المصلحة الأولى هى حماية نظام الجمهورية الإسلامية فى إيران وعدم تعريضه لحرب تؤدى إلى زعزعته على النحو الذى تأمله واشنطن وتل أبيب . وقد عبر المرشد الأعلى السيد على خامنئى عن ذلك فى توجيه صريح عقب اجتماع لمجلس الأمن القومى الإيرانى (29/1/2024) خصص لدراسة الرد العسكرى الأمريكى المحتمل للهجوم الذى شنه فصيل «المقاومة الإسلامية فى العراق» على «قاعدة البرج -22 على الحدود العراقية- الأردنية». فقد أعطى خامنئى أوامر واضحة تقول بـ «تجنب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، والنأى بإيران عن تصرفات الجماعات المسلحة.. لكن استعدوا للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران». أما المصلحة الثانية فهى الحفاظ على مكونات البرنامج النووى الإيرانى الذى أضحى على مشارف الاكتمال والوصول بإيران إلى القدرة على صنع القنبلة النووية . توافقت المصالح أمريكياً وإيرانياً إذن على تجنب خيار «الحرب الإقليمية الموسعة» فهل سيفرض هذا الخيار نفسه، الذى يأمله بنيامين نيتانياهو للهروب من «مأزقه التاريخي» بالفشل فى تحقيق نصر فى غزة، ولتحقيق هدفه الاستراتيجى بتوريط الولايات المتحدة فى حرب ضد إيران لتدمير القدرات النووية الإيرانية ومنع إيران من أن تتحول إلى «قوة نووية»؟ الرد الإيرانى المنتظر سوف يجيب حتماً عن معظم هذه التساؤلات.