لماذا لقب محمد الفراتي بهذا الاسم ؟
لماذا لقب محمد الفراتي بهذا الاسم ؟
محمد الفراتي، شاعر كبير ومترجم وفيلسوف وفلكي ورسام ومناضل وطني، ولد في دير الزور عام 1880 ودرس في مدارسها ثم أكمل دراسته في حلب ثم سافر إلى القاهرة وأكمل دراسته في الأزهر الشريف، شارك في الثورة العربية الكبرى عام 1916 ثم في ثورة سعد زغلول في مصر عام 1919، وناضل ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي مما اضطره إلى مغادره دير الزور في أواخر عام 1925 إلى العراق هرباً من ملاحقة السلطات الفرنسية حيث عمل مدرساً للغة العربية في بغداد، سافر بعدها إلى البحرين ومصر وإيران والسعودية إلى ان استقر به المطاف في مدينته دير الزور حيث وافته المنية في 17 حزيران عام 1978.
نسبه
هو محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود لقب بالشاعر الفراتي لأنه كان يوقع بدايات قصائده المسماة بالمصريات بلقب الفراتي.
حياته
وُلد الفراتي في دير الزور عام 1880، ودرس بمدرسة الرشيدية، ولما اكتشف معلموه حبه للعلم والتحصيل نصحوا ذويه أن يفسحوا له المجال لتنمية مواهبه، وإشباع رغباته في الاستزادة من الأدب، فاتصل بالشيخ حسين الأزهري حيث درس عنده علوم اللغة والنحو والفقه لمدة سنتين ولم يتوقف عند هذا الحد بل غادر دير الزور إلى حلب عام 1908 مستزيداً في طلب المعرفة فتابع دراسته على يد الشيخ محمد الزعيم وبعض علماء حلب المشهورين آنذاك.
لم تكتف نفسه التواقة للمزيد بهذا الحد بل غادر حلب إلى بيروت ومنها إلى يافا فبور سعيد فالقاهرة حيث استقر به المطاف في جامعة الأزهر عام 1911 وأقام برواق الشوام الذي كان عميده آنذاك الشيخ سليم البشري، وتتلمذ الفراتي على أيدي أئمة الأدب والفقه أمثال المرصفي والقاياتي وبخيت وتزامل الفراتي وهو يطلب العلم في الأزهر مع طه حسين وعبد القادر المازني وزكي مبارك وأحمد الكرمي.
وما إن انطلقت شرارة الثورة العربية في الحجاز ودوى صداها في أرجاء الوطن العربي حتى سجل الفراتي ورفاقه اسماءهم لدى مندوبها وقد سافر إلى الحجاز والتحق بجيش فيصل بن الحسين في بلدة الوجه على البحر الاحمر ولأن الفراتي كان ضعيف البصر نحيف الجسم فقد كلفه بالافتاء وتدبيج الخطب السياسية وبعد دخوله في أول معركة أنعم عليه الملك فيصل برتبة ضابط وجعله على إثر ذلك إمام طابور، وكانت قصائده تلهب وجدان الشعب في النهضة العربية ومن أحد أبياتها:
بني العرب أنتم من قديم ملكتم
نواصي ملوك الأرض بالبيض والسمر
ولما شعر أن الثورة حادت عن مبادئها المعلنة غادرها إلى مصر ليشترك في ثورة سعد زغلول عام 1919، في ذلك الوقت احتلّ الجيش البريطاني مدينة دير الزور عن طريق الحدود العراقيّة، فاندلعت فيها ثورة شعبية، عاد الفراتي على أثرها إلى مسقط رأسه ليحارب الاستعمار الإنكليزي بالنضال المباشر عن طريق تشكيل خلايا المقاومة، وبرز اسمه كزعيم ثوري، فكان عليه أن يدفع ضريبة هذه الصفة التي حملها، فكان نصيبه الملاحقة والتضييق حتى خرج الإنكليز من دير الزور عام 1920 وحلّ محلهم الفرنسيون.
في عام 1921 تزوج الفراتي من السيدة عائشة حمد العبد الله وانجبت له سبعة ذكور توفي في حياته اثنان منهم قاسم وزهير وبقي خمسة وهم خالد وتحسين وآصف وفاروق وطارق وابنتان هما زهرة وروضة.
ساهم الفراتي في محاربة الجهل والأمية ببناء المدارس والانخراط في سلك التعليم، وفي أوائل عام 1922 افتتحت في دير الزور أول ثانوية رسمية للذكور سميت ثانوية التجهيز، فعين الفراتي مدرساً فيها لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، لكنه بدأ يحرّض على الثورة والتمرد علناً ضد الفرنسيين.
وفي عام 1925 اندلعت الثورة السورية الكبرى وامتدت شرارتها إلى منطقة الفرات حيث كان الفراتي من اشد الداعمين لهجمات الثوار على القوات الفرنسية في المدينة، وعند ادانة الزعيم عيّاش الحاج من قبل سلطات الاحتلال بالتخطيط للهجمات وقيادتها وصدور قرار نفيه مع أسرته إلى مدينة جبلة كتب الفراتي:
لئن فارق الليث الهصور عرينهُ
على الرغم منه والزمان يجورُ
فقد كان وراداً لكل مخوفةً
له في الأعادي صولةٌ وزئيرُ
مريرٌ على الأعداء صعبٌ ممنعٌ
وحلوٌ على المستضعفينَ مزيرُ
مهيبٌ كنصل السيفِ، اما فرندهُ
فصافٍ واما حده فأثيرُ
على اثر مواقفه الوطنية ضيقت سلطات الانتداب الخناق عليه وسرحته من الوظيفة مما اضطره لمقابلة وزير المعارف بدمشق لشرح وضعه والاعتراض على فصله، ولما شعر أن الوزير لم يستجب لشكواه أغلظ عليه القول واتهمه بالخيانة الوطنية وغادره إلى الشارع حيث نمى له بعض أصدقائه أن ثمة اعتقالاً ضده يبيته الفرنسيون فعاد إلى دير الزور مسرعاً حيث تخفى وغادرها إلى العراق في أواخر عام 1925 والتحقت به زوجته يرافقهما صديقه الشاعر عبد الجبار الرحبي.
وعلى الرغم من إقامته في العراق بقي الفراتي على مبادئه الوطنية يحرض الأهالي على الثورة ضد الفرنسيين ويستثير النخوات، وعندما اغتال الفرنسيون الزعيم عيّاش الحاج في مدينة جبلة عام 1926 رثاه الفراتي بقصيدة قال فيها:
نعاهُ ليَ الناعي ببغدادَ بُكرةً
فأحسستُ بيَ الأرض الفضاء تدورُ
بكت بعدكَ الديوانَ أَشْيَاخ شمّرَ
وناحت عليه طيءٌ وجبورُ
لقد أوحشَ القصرَ المشيدَ وأخلقت
زرابيّ منه جمةً وستورُ
ونكبت الأضيافُ عن جنباتهِ
وكان لها في رحبتيه حبورُ
وقد بدأت أحوال الفراتي تستقر بعد أن عينه ساطع الحصري الذي كان يتسنم مرتبة وزير المعارف مدرساً للغة العربية في مدارس اليهود ببغداد، لكن نزوعه الدائم للسفر كان يشده لرفع عصا الترحال وعندما افتتحت أول مدرسة رسمية في المنامة بالبحرين غادر العراق ليدرس اللغة العربية فيها، ومكث الفراتي ثلاث سنوات في البحرين لكنه اختلف مع مدير المعارف هناك فغادر البحرين عائداً إلى دير الزور وفيها عين مدرساً في ثانوية الفرات عام 1930.
ولم تنته حياة الفراتي عند هذه الحدود بل سافر إلى السعودية وإيران ومصر، وشارك في المهرجانات الشعرية العربية، ومثل الجمهورية العربية السورية في المهرجان التأبيني الذي أقيم في القاهرة تخليداً لشاعر القطرين خليل مطران، ودلالة على تجواله الدائم، تعمد الفراتي أن يعطي قصائده عناوين الأماكن التي كُتبت فيها، فالقصائد التي كتبها في مصر سمّيت المصريات، والقصائد التي كتبها في الحجاز أيام الثورة العربية الكبرى سمّاها الحجازيات، وما كتبه في البحرين أسماه البحرانيات، إضافة إلى ما كتبه في دمشق ودير الزور أسماه السوريات.
تكريمه
في السنوات الأخيرة من حياة الفراتي، حظي بنصيب وافر من التكريم الذي يستحق، فكرّمه اتحاد الكتّاب العرب عام 1976 في احتفال مشهود حضره الراحلون الشاعر سليمان العيسى والأديبان خليل هنداوي وإبراهيم الكيلاني والقاصّ عبد السلام العجيلي، وفي العام نفسه كرّمه الرئيس حافظ الأسد بتخصيص راتب تقاعديّ له، كما كرمته جهات إيرانية أكثر من مرة لترجمته لروائع الادب الفارسي، و كان آخرها الندوة التي أقيمت في المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق عام 2006.
وفاته
في 17 حزيران عام 1978 توفي الفراتي رحمه الله في مدينته دير الزور ودفن فيها بعد ثمان وتسعين عاماً مليئة بالعطاء.