ابن عربي: الشيخ الأكبر والمتصوف الذي غير وجه الفلسفة والصوفية
ابن عربي 1165- 1240م، من أبرز العارفين العرب وأجودهم إنتاجاً في مدينة مرسية الأندلسية كان ابن عربي. اسمه محمد محي الدين وأبوه أبو بكر وينسب إلى الحاتمي الطائي لنسبه إلى حاتم الطائي. سماه أتباعه بالشيخ الأكبر. ترعرع في إشبيلية حيث أمضى نحو عشرين عاماً استقى خلالها علوم الحديث والفقه والكلام وتعرف على المذاهب الفلسفية والعلوم المشهورة في زمانه. التحق بحلقات الصوفية وارتدى الخرقة. وكان شيخه ابن مسرّة الفيلسوف الأندلسي القرطبي. وكذلك أنشأ علاقات مع أشهر رجال الأندلس كأبي بكر بن خلف وابن بشكوال وغيرهما.
من هو بن عربي
سافر وهو في الثلاثين من عمره إلى تونس. وقد زار في سبيله أهم مدن المغرب مثل سبتة وغرناطة. ثم انطلق إلى المشرق حاجاً ولم يرجع بعد ذلك إلى المغرب. زار مكة المكرمة. وانتقل إلى الموصل ووصل بغداد التي جعلها مقراً مؤقتاً له وراح يتنقل في مدن الشرق فزار حلب ومدن الأناضول حتى انتهى به الطواف إلى دمشق. حيث أقام إلى أن توفي ودفن فيها في جبل قاسيون. ولا يزال قبره حتى الآن. شهد ابن عربي الحروب الصليبية وكان يحث المسلمين عليها.
تتناول معظم الكتب التي خلفها ابن عربي التصوف وأسراره وطرقه. ولم يكن ما قاله وكتبه في هذا الموضوع عرضاً نظريّاً للتصوف بل نتيجة اختبارات شخصية. فهو كان شيخاً كبيراً بين شيوخ المتصوفة. حتى وصف بالشيخ الأكبر. كما علم ابن عربي المقامات والأحوال التي علمها غيره من الصوفيين. لكنه ابتدع أشياء جديدة وصل إليها بالممارسة أهمها نظرية الوجود والفناء. فعرف الوجود بما “يصادف القلب من الأحوال المغنية له من شهوده”. كما عرف الفناء “بعدم رؤية العبد لفعله بقيام الله على ذلك”. وقال عن الحب إنه حالة لا يمكن وصفها ولا يحدها كلام.
ويقول في هذا المجال، والحب هو ما يجمع المتصوفون عليه، “من حدّ الحب ما عرفه، ومن لم يذقه شرباً ما عرفه، ومن قال رويت منه ما عرفه. فالحب شرب بلا ريّ”. وقال في مجال آخر: ” ألطف ما في الحب ما وجدته. وهو أن تجد عشقاً مفرطاً وهوىً وشوقاً مقلقاً وغراماً ونحولاً. وامتناع نوم وعدم لذة بطعام. ثم ذهول وذهاب وفناء، ثم تجلي وفيض ولذة لا توصف”.
نظرية الحلول
هذا ما ذاقه ابن عربي من الحب الإلهي وأكد “أن المحبين لله شق لهم عن قلوبهم فأبصروا بنور القلوب من جلال الله. فصارت أبدانهم دنيوية وأرواحهم حجبيّة وعقولهم سماوية. كما تسرح بين صفوف الملائكة وتشاهد تلك الأمور باليقين. فيعبدون بمبلغ استطاعتهم حباً له. لا طمعاً في جنة ولا خوفاً من نار”.
لم يبلغ شعر ابن عربي مرتبة شعر ابن الفارض أمير شعراء العربية المتصوفين. لكن قصائده تدل على أنه بلغ في علوم التصوف مرتبة لم يبلغها سواه. نفى ابن عربي نظرية الحلول والاتحاد وأكد على وحدة الوجود. كما رغم بعض الغموض. ويقول في هذا الصدد: “يريد العارفون أن يفصلوه تعالى بالكلية عن العالم من شدة التنزيه فلا يقدرون. ويريدون أن يجعلوه عين العالم من شدة القرب فلا يتحقق لهم. فهم على الدوام متحيرون، فتارة يقولون هو. وتارة يقولون ما هو. وتارة يقولون هو ما هو. وبذلك ظهر عظمته تعالى”. وهو القائل بصدد وحدة الوجود في “شجرة الكون”: إني نظرت إلى الكون وتكوينه فرأيت الكون كله شجرة وأصل نورها من حبة كن. وقد لقحت “كان” الكونية بلقاح حبة نحن خلقناكم. كما أكد أن جميع ما في الكون حياً يسبح الله ويضج “بالإيقاع الرباني”.