من أكله لا يخون عهد الطعام في سيناء.. أبرزها “اللصيمة” طعام الأنبياء
حاتم عبد الهادي السيد
يتميز التراث السيناوى بالكثير من المميزات؛ نظراً لاختلاف طبيعة الحياة في الصحراء. ويعد التراث الطهوى، أو تراث الغذاء ؛ من الجوانب التى تعكس تميز وخصوصية سيناء، بدواً وحضراً ، في الشمال والجنوب، والوسط والغرب، كما أن طبيعة العيش في الصحراء، واجتماع البدو في الليل حول جلسات “السامر السيناوى” حيث النار المشتعلة، وبكارج القهوة السيناوية، قد عكست الكثير من جوانب الثقافة المادية والمعنوية لدى سكان بادية شبه جزيرة سيناء، كما أنها تعكس عادات وتقاليد بدو سيناء في معيشتهم اليومية ؛ ونحن هنا سنحاول أن نتعرف على بعض عادات وتقاليد أهل بادية سيناء من خلال مأكولاتهم الشعبية عبر الصحراء السيناوية الممتدة .
تعد اللصيمة أو (اللِّبة) – كما يطلق عليها في البادية- أشهر أكلات أهل سيناء الشعبية؛ وهذه الأكلة الشعبية موجودة في سيناء منذ قدوم سيدنا موسى عليه السلام سيناء، وقد عرفها أهل الطور بجنوب سيناء – أولاً – في وادى طور سيناء؛ ثم انتشرت منه إلى باقى مدن سيناء، والمعروف أنه الخبز الذى قدمه سيدنا شعيب عليه السلام إلى سيدنا موسى؛ وله مذاق خاص.
ولقد عرف أهل الأردن وبلاد الشام هذه الأكلة وأسموها “القرص” ؛ كما عرفت قديماً لدى أهل دول الخليج العربى؛ ويطلقون عليها اسم ” القُرْصَان” هناك .
وقد انتشرت لسهولة طهيها، كما أنها ليست مكلفة، وتعد من الوجبات كاملة القيمة الغذائية ، أما مكونات «اللبة» فهى عبارة عن دقيق وماء مع ذرة وملح، تعجن وتوضع في النار وتخرج من النار نظيفة بدون ذرة رمل؛ وهذا العجيب فيها. فى البداية يتم خبز ” قرص المُلَّةْ ” وهو عبارة عن دقيق يتم عجنه وتجهيزه على هيئة رغيف كبير جدا، وسميك، ثم تشعل النار فيتم تسخين الرمال التى تحتها على الجمر، ثم يوضع القرص، ويغطى بالرمال الساخنة حتى ينضج، ثم يتم إخراجه، وتنفيضه، وللعجيب أن الرمال الساخنة ؛ ورماد النار لا تعلقان بالعجين، ثم يرفع من النار بعد تنفيضه، ويتم تقطيعه – بعد ذكر اسم الله عليه- ثم يشوى ” العجر” وهو البطيخ الذى لم ينضج بعد ، أو ” الباذنجان” إذا لم يوجد موسم للبطيخ فيتم شيّه وتنظيفه، ثم تقطع الطماطم، ويضاف الفلفل البلدى ، ويتم عجن كل ذلك بالأيدى، ثم يُصَب ” زيت الزيتون” بغزارة، وتقدم ساخنة للأهل، وللضيوف.
كما أن الشيخ الكبير يوزع “حرف اللبة” أى قطعا صغيرة من القرص المطهى على الحضور لتعم البركة، قبل أن يتم تجهيزها؛ وتمثل عهداً وميثاقاً، ومن أكلها لا يخون؛ وإن أكلها يبقى “زين وأمان”، وأثناء خبزها تجهز الدلال للشاى والقهوة، فهى لها طابع الكرم إذا حل ضيف أو غريب أو ضل الطريق، فتقدم له؛ ثم يتم تقديم فنجان قهوة أو شاى؛ وهى من الأكلات التراثية البدائية لدى بدو سيناء .
وقد انتشرت هذه الأكلة الشعبية لرخص تكلفتها، كما أنها أصبحت عادة مرافقة لرحلات التنزه على الشاطئ، أو في “الخلاء” عبر الصحراء الشاسعة، وفى “رحلات الصيد”، وفى “مواسم الحصاد”؛ وتعتبر اللصيمة “مضاداً حيوياً” لاحتواء عناصر الوجبة على كل الفيتامينات اللازمة للجسم؛ كما أن “زيت الزيتون” يساعد على هضم هذه الأكلة الدسمة المشبعة؛ كما يعتبر الزيت مليناً للمعدة، والفلفل الأخضر يحارب الكثير من الفيروسات داخل الجسم .
كما يستخدمها كذلك أهل فلسطين، حيث إن لها المذاق الجميل المميز، فالعجر المشوى “البطيخ البغو” المكون الأساسي للصيمة فوائده لا تعد ولا تحصى، فهو يغسل المثانة ومدر للبول وينظف البطن ويُكثر ماء الظهر ويُعين على الجماع وينقى البشرة وهو ملين خفيف يساعد فى حالات الإمساك ؛ وعلاج لضغط الدم المرتفع.
وهو كذلك من الأغذية المفضلة لمرضى قرحة المعدة والذين يعانون من الحموضة ويقوي الدم ويفتت حصى الكلى ويخفف الأمراض الجلدية؛ وهذه الأكلة خالية من الكوليسترول بما يعدها غذاء وعلاجاً طبياً ، لذا أقبل الأهالى عليها بكثرة هذه الأيام للعلاج من “كورونا”، أو كترياق، أو حصانة تقيهم ضعف المناعة للجسم؛ ومن العجيب أن يأتى الكثيرون – حتى الآن – في زمن الجائحة ليأكلوا من هذه الوجبة الدسمة للوقاية من داء الكورونا “كوفيد 19″ إذ أن ” اللصيمة ” تمنح الشخص طاقة كبيرة خاصة في فصل الشتاء، وتعتبر مضادًا حيويًا طبيعيًا لنزلات البرد وأمراض الشتاء. بالإضافة إلى أن زيت الزيتون يساعد المعدة على هضم الطعام ويعمل كـ “مُلين” للمعدة، والفلفل الأخضر يحارب كثيرًا من الفيروسات داخل الجسم.
المنسف
يعتبر “المنسف” من أشهر الوجبات الشعبية بين البدو والحضر؛ وسُمى بالمنسف لأن صوانى الطعام يتم نسفها “أى لا يتم إرجاع أى شىء منه” نظراً لمذاق الطعام الجميل؛ وهو عبارة عن فتة عيش ” الرقاق ” بالشوربة أو اللبن الجميد والسمن البلدى والذى يغطى بالأرز الأصفر وفوقه كُتل من لحم الماعز أو الضأن الطازج؛ وتغطى برغيف من الرقاق؛ وتقدم ساخنة للضيوف وأهل الديار.
المندي
تعد وجبة المندى المشوي سواء كانت بالدجاج أو اللحم من أهم الوجبات التي يحرص بدو سيناء على تناولها في رمضان، لأنها خفيفة على المعدة وقيمتها الغذائية عالية جدا وفي نفس الوقت مفيدة صحياً .
ووجبة المندي عبارة عن “جدي” يتم ذبحه وتفريغه من الأحشاء ويغسل جيداً ومن ثم ينقع في إناء كبير به خلطة من البصل والثوم والفلفل الأخضر والليمون؛ ويتم حشوه بالأرز الأصفر وقطع الكبد .
وبعد عدة ساعات يعلق على حامل ومن تحته نار الخشب القوية ؛ أو داخل برميل به نار شديدة من خشب الزيتون أو اللوز ؛ ويتم إغلاقه بطريقة محكمة وبعد نحو ساعتين يتم إخراجه بعد نضجه؛ ويقدم مع الفتة والمقبلات من السلاطة وسلاطة الطحينة للضيوف وهي وجبة تعرف بوجاهتها ومذاقها الطيب، ويمكن استبدال اللحم بالدجاج في وجبة المندي.
العصيدة
تعتبر “العصيدة” من الوجبات الاعتيادية لأهل الصحراء والبادية في سيناء، وتتكون من دقيق وسمن ولبن وبعض فصوص الهيل المطحون، يتم تحميص السمن والدقيق واللبن مع ملعقتين من مطحون الهيل، وقبل نضجه بقليل تضاف كمية من التمر .
الفراشيح
أو عيش الرقاق البدوي.. يعتبر من أنواع الحلويات القليلة في قائمة طعام البدو، وتنفرد السيدات بإعداده دون الرجال، حيث يحتاج في خبزه إلى دقة لفرد القرص، ويتكون من دقيق ولبن وسكر، وتكون كمية الأول ضعف كمية الأخير، حيث يمتاز الخليط بأنه سائل يتم سكبه على الصفيح الساخن كطبقة رقيقة تتماسك فور سكبها، ويتناوله الصغير والكبير فور رفعه من فوق الصاج، بشراهة.
الكمونية
يقبل أهالى وسكان مدينة العريش؛ بل كثير من قبائل سيناء على تناول “الكمونية”؛ وهى الأكلة المفضلة لديهم على الإطلاق، فهي عبارة عن أجزاء الخروف أو الماعز “الكبد ـ الطحال ـ الأمعاء” يتم غسلها جيدا بالماء والملح ونقعها في خل وبشر بصل.
وبعد ذلك تقطيعها قطعاً صغيرة، ويتم تحمير البصل والطماطم في “طاسة” مسطحة ثم تضاف إليهما القطع المتبلة بعد تصفيتها، وبعد ذلك إضافة الملح والفلفل مع كثير من الكمون الذي سيضفي على المكان رائحة رائعة مع رائحة الفحم. ويعقب تناول الطعام في بادية سيناء تناول القهوة المطحونة بالهيل المحمص وعادة ما تشرب سادة ويطلق عليها اسم “قهوة عربي أو خضراء” ويتم جلبها من السعودية والإمارات وفلسطين .
كما يقبل الأهالى على شرب الشاي المضاف إليه الزعتر البري والمرمرية والقرنفل، والذي يصنع دائما على حطب النار ليكون مذاقه مميزا وممتعا، تتميز حياة البادية السيناوية بكل ما فيها من عفوية وبساطة ليس في المعيشة فقط ولكن بالطعام الصحي والطبيعي والذي يطهى بطريقة صحية على نار الحطب.
المقلوبة
وتعد من الأكلات المشهورة أيضًا في سيناء، وخاصة في الشمال؛ وتتكون من دجاج أو لحم مع الباذنجان أو القرنبيط وأرز وبطاطس، لوز، بصل، ملح، بهارات، ولقد تمت تسميتها بهذا الاسم- كما يقول المؤرخ المتخصص في التراث الطهوى في سيناء أ/ عبدالعزيز الغالى، لأنه يتم وضع اللحم أو الدجاج مع الخضراوات المشكلة في قاع الوعاء الذي تطبخ فيه، ومن ثم تقلب عند تقديمها، بحيث يصبح وضع الأرز بالأسفل، والخضراوات واللحم في الأعلى، لذلك سُميت مقلوبة.
الأرز بالخلطة
أما الأكلة الثانية – كما يقول عبدالعزيز الغالى- فهي أرز بالخلطة، وتعتبر من أشهر الأطعمة التي يتم تقديمها في العزومات والأفراح، وتتكون من: لحم ضأن، أرز، بصل، سمن، مكسرات مُشكلة (لوز، صنوبر، سوداني، فستق)، كبدة وكلاوي مقطعة قطعا صغيرة، فطير عرايشي، بهارات مشكلة، بقدونس.
وجبة الصيادية
يقبل أهل سيناء على أكلة “الصيادية” المصنوعة من السمك، ويقبلون على عمل ” الفراشيح” ( الفطائر) والتي توضع تحت الأرز وتغطى “بالمرق” ( الشوربة ) وفوقها الأرز واللحم الضأن، كما تعد أكلة “الجريشة” من الأكلات الشهيرة بجنوب سيناء ؛ وهي عبارة عن قمح مجروش على الرحى يخلط بالسمن الشيحي واللبن الحامض “السمن الشيحي يستخلص من زبدة ماعز مخلوطة بالكركم والأعشاب الجبلية الجميلة”.
–الفسيخ إفطار ليلة العيد
ويفطر أهل شمال سيناء في العيد على “الفسيخ” وهو السمك المملح؛ وفي الغداء يأكلون السمك المجفف؛ الصيادية ؛ والفتة باللحم المسلوق واللحم الشطير: لحم الصيد؛ ومن أشهر الحلويات” السكريات”: الزلابية؛ اللبن الرايب؛ واللبن الخضيض؛ كما يشربون حليب الإبل والأغنام.
ويُشكل الطعام السيناوى ببساطته وطريقة طهيه على الحطب المـأخوذ من الأشجار المتواجدة بالطبيعة ميراثا عريقا وعظيما، فهو جزء من ثقافة وحياة سكان شبه الجزيرة، حيث يصل الماضى بالحاضر.؛ ومن الأكلات الشعبية :الرقاقة- حرقة الإصبع- الطشطاشة -المنسف-المقلوبة- السمان-الصيادية – البيض المقعد- الفريكة – البسارة – الخُبَّيَزَة -و”شهقة العجوزة”. كما يأكلون “المقلوبة ” – بالتشارك مع أهل الشام وفلسطين، “والكسكس ويسمى ” المفتول”.
ومن أشهر الوجبات الشعبية كذلك: السمك المشوى؛ والسمك المقلى؛ والسمك المسلوق بالخضروات من البصل والثوم والجزر؛ والفاصولياء ؛ بإضافة ورق اللورى والبهارات والزعتر .
كما يأكلون الأرز بالجمبرى؛ والجمبرى المشوى؛ والمسلوق؛ إلى جانب شوربة القواقع البحرية؛ كما يتم عمل طواجن السمك بالخضار والبصل والجزر والفاصولياء؛ ويكون الكمون والبهارات الخاصة بالسمك هى الأساس في هذه الطواجن الشهية ذات الوجبات الغذائية عالية ومتكاملة القيمة .