كتابنا

د.جواد الهنداوي  يكتب:إسرائيل والعرب: من وهم السلام .. إلى الغدر والإجرام

د.جواد الهنداوي  يكتب:إسرائيل والعرب: من وهم السلام .. إلى الغدر والإجرام

نستنتجُ مِنْ جرائم إسرائيل في غزّة، والتي فاقتْ التصّور، ومِنْ سلوك امريكا والدول الأخرى الداعمة لإسرائيل في العلن والسرّ، ثمة حقيقة مؤلمة وصادمة، على العرب ،ومن اجل مستقبل أجيالهم، إدراكها.

مَفاد الحقيقة، ليس فقط أنَّ إسرائيل فوق القانون الدولي ،وفوق ميثاق الامم المتحدة، و مُحّصنة من العقاب الاممي او الدولي، وإنّما مُخّولة بتفويض صهيوني بفعلِ ما تشاء ، من اجل توسّعها و تفوقها وهيمنتها، ولا حدود لما تُريد فعله، فالإمعان في الاذلال، والترويع والتفنّن في القتل، كل ذلك يهون امام تجريد الإنسان من آدميتهِ، وحرمان الميت من كرامة دفنهِ. في لوائح إسرائيل، العرب الذين يحيطونها ، دولاً وشعوبا، هم سلسلة ارقام تتعداهم و تتخطاهم واحداً تلو الآخر ،سواء بالقتل أو بالتطبيع ثُّمَ الغدر ، و تعوّلُ في مسعاها التوراتي ألمُلفّق صهيونياً، على عامل الزمن ، وعلى الدعم اللامحدود امريكياً و غربياً .

اليوم، تفعلُ إسرائيل ما تشاء في غزّة ، ابادة جماعية ، تجويع ، منع وصول الغذاء ، منع وصول الدواء ، تأتي بكل ماهو ممنوع انسانياً ، اخلاقياً، قانونياً ، دينياً ، وبدعم أمريكي غربي ، وعجز أُممي وصمت دولي حكومي .

غداً، مَنْ ذا الذي سيمنع إسرائيل إنْ قررت، وسمحت لها الظروف، أنْ تزحف بمرتزقتها وداعشيها نحو جغرافية جديدة و مساحات جديدة في الأردن، في لبنان، في سوريّة ،في مصر؟

اليوم، توظّفُ إسرائيل دولاً كبرى (فرنسا، امريكا ، بريطانيا) كي تضغط على لبنان وتقنعه بالإغراء او بالتهديد، للانسحاب حزباً (حزب الله) و جيشاً لما وراء نهر الليطاني، كي يشعر مغتصبو شمال فلسطين، بالأمان في مكوثهم كمغتصبين!

اليوم، تسعى إسرائيل لتهجير ما تبقّى من سكان غزّة، تسعى لإفراغ غزّة! وامريكا و الغرب لها مؤيدون و داعمون، ويتباحثون مع مصر والأردن لتوطين اهل غزَة !

اليوم، ترفضُ مصر، ويرفضُ الاردن ، ولكن كيف سيكون موقفهم غداً؟ هل سيحافظون على لاءاتهم؟ لا نُشكّك بمواقفهم، ولكن نُشكّك بالظروف وبدوران عجلة الزمن ، و نثقُ بغدر إسرائيل وامريكا وبعض دول الغرب المتصهينة .

لا كامب ديفيد (اتفاق السلام المصري الاسرائيلي عام ١٩٧٨) ، ولا اتفاقيات اوسلوا (بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام ١٩٩٣) ، و لا معاهدة السلام بين إسرائيل و الأردن عام ١٩٩٤ (اتفاقيات وادي عربة) ، ولا مبادرات السلام العربية التي أقترحتها المملكة العربية السعودية ، وطرحتها الجامعة العربية بإسم العرب ،اكثر من مرّة ، و لا التطبيع الجديد مع الإمارات والبحرين والمغرب، كان لهم أثر او فعل على جعل سلوك اسرائيل واقعياً وعقلانياً و يحمل اشارة نحو سلام أو إنسانيّة! كانَ جزاء كل هذا التنازل العربي هو توسّع استيطاني وتمدّد جغرافي لإسرائيل وجرائم تلو جرائم، تُوّجتْ بما نراه ونعيشه اليوم في غزّة !

هل كان هذا التنازل العربي او هذه المواقف العربية مدروسة بأن تكون مآلاتها لصالح العرب ، لصالح القضية الفلسطينية، لصالح الامن والاستقرار في المنطقة، أم مدسوسة كي تكون مآلاتها لصالح توسّع إسرائيل، و تحرّرها من كل قيد وشرط لفعلِ ما تشاء ؟

سؤالٌ مشروع، والمشهد الميداني والسياسي العربي والدولي يُجيب على السؤال.

ثمّة سؤال آخر ومطلوب ، وهو ما العمل بعد أنْ تبدًدت اوهام السلام مع إسرائيل ،و تجلّت نزعة الغدر و العدوان ؟ وهل ستكتفي الافعى بابتلاع فلسطين ،لا سمح الله إنْ تمكّنتْ لا حّلْ غير خيار المقاومة ، وبكل أنواعها ، وهذا ما تقرّه شرائع السماوات والارض والامم المتحدّة ، وقد برهن هذا الخيار فاعليته وشهدنا نتائجه . قطاع غزّة المُحاصر، والمقاوم، حرّرَ القضيّة الفلسطينيّة مِنْ سُباتها، و عولمها شعبياً، واصبحت في ضمائر الشعوب . قطاع غزّة ألهمَ العالم موضوع الصبر والمقاومة والنصر .

المقاومة في غزّة حققّت انتصارات وليس فقط انتصار يوم ١٠/٧ ،بدء عملية طوفان الأقصى: حقّقت السقوط الاخلاقي لجيش الكيان الصهيوني ، وجعلت الكيان وجيشه منبوذين من قبل شعوب واحرار العالم. عنونتْ مجلة التايمز البريطانية غلاف عددها الأخير بصورة لرئيس وزراء الكيان، نتنياهو، وعبارة ”قاتل السنة “. لم يستطعْ جيش الكيان من تحرير أسراه، بل ساهم في قتل بعض منهم، ولم ولنْ يستطيع النيل من القدرة العسكرية الميدانية للمقاومة في غزّة .

بدأت ،من الآن ، دوائر الإعلام الأمريكية و الغربية تهيئ قادة الكيان المحتل لقبول الفشل و تسدّدْ لهم النصح بالانسحاب من غزّة قبل فوات الاوان، و تقدّم لهم مبرّرات الانسحاب. كتبَ توماس فريدمان، في جريدة نيويرك تايمس، الصادرة يوم ١٢/٢٣، مقالاً بعنوان “آن آوان انسحاب إسرائيل وتقديم هذا العرض لحماس”، يقول فيه ”إسرائيل لم ولن تحقق اي هدف في حربها على غزّة ، وحان وقت انسحابها ،وعلى بايدن ان يجبر إسرائيل على وقف الحرب والانسحاب ،وان نتنياهو يبحث عن مصلحته الانتخابية وليس عن مصلحة الاسرائيليين “. ويقترح الكاتب حّلاً قوامه ؛ انسحاب كامل لإسرائيل من القطاع ،تسريح جميع الاسرى الاسرائيليين ، ووقف دائم لإطلاق النار تحت اشراف دولي و اممي ” .

شعوب و احرار العالم ادركوا خطر الصهيونية واسرائيل على أمن وسلام العالم ، وما التظاهرات التي شهدتها عواصم ومدن العالم الاّ تعبيراً عن رفضهم لاستبداد وتسلّط الصهيونية على مصائرهم .

هل يدركُ العرب او بعض العرب أنَّ اسرائيل خطرٌ يهددهم ويتربص بهم . مسار الكيان الصهيوني ،ومنذ نشأته وليومنا هذا ،حافلٌ بالجرائم والغدر والاعتداء ،فهو مجبولٌ على فعل الشّرْ .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى