تربويات الانتخابات
بقلم أ.د / محمد رجب فضل الله
الأستاذ بكلية التربية بجامعة العريش
يشغلني – دائماً – ما نعيشه من مواقف وأحداث … أتابع الممارسات أثناءها ، وأتأمل التصرفات حيالها ، وأجدني أعود دائماً إلى الجذور حيث التنشئة وتأثيرها على الممارسات ، والتربية وانعكاساتها على التصرفات. وأفسرهما وأصحابهما على ضوء ذلك.
أعود إلى الأسرة ، وما إذا كانت قد قامت بوظيفتها في تنشئة أبنائها وحسن تربيتهم، وإلى المدرسة وإلى أي مدى ساعدت مناهجها التربوية والتعليمية، وطرق معلميها وأساليبهم في تكملة المشوار؛ حتى يقدما ( الأسرة ، والمدرسة ) للمجتمع أبناء صالحين ينتمون إليه، ويسعون – دائماً إلى تطويره وترقيته، ودعم الجهود من أجل خاضره ومستقبله.
ولعل أحد أهم الأحداث في أي مجتمع ما يتصل باختيار رموزه وقياداته خاصة إذا كان هذا الاختيار عن طريق صندوق الانتخابات
اعتقد أن للانتخابات كما لغيرها من أحداث ومواقف أبعاداً تربوية يجب أن تحكم المشهد كاملا ، وأن توجه جميع أطرافه : المرشحين والناخبين والمنظمين ، ومن يديرون ويتابعون يراقبون.
أرى أن الأبعاد التربوية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل آراء الناخبين، وفي اتخاذ لقراراتهم. يتأثر الناخبون بالمعرفة والتعليم والقيم والمعتقدات السياسية التي يحملونها، وهذه العوامل تؤثر في اتجاهاتهم الانتخابية واختياراتهم.
أن أحد أهم الأبعاد التربوية لأي عملية انتخابية هو التعليم.
تربويات الانتخابات والوعي السياسي
يُعد التعليم مؤشرًا قويًا للوعي السياسي والمعرفة العامة للناخبين؛ فعندما يكون للناخبين مستوى تعليمي أعلى، فإنهم عادة ما يكونون أكثر تمييزًا في اختياراتهم الانتخابية.
الناخب المتعلم، ولو بقد بسيط من التعليم، يمكنه فهم القضايا السياسية المعقدة بشكل أفضل وتقييم الخيارات المطروحة من قبل المرشحين بشكل أكثر فعالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المستوى التعليمي يؤثر في وعي الناخبين بحقوقهم الديمقراطية وأهمية المشاركة في العملية الانتخابية.
وتلعب القيم والمعتقدات – أيضًا- دورًا مهمًا في الانتخابات. والقيم والاتجاهات أحد نتاجات التربية المنزلية والتعليم المدرسي .
يعكس الناخبون قيمهم ومعتقداتهم في اختياراتهم الانتخابية، وقد تكون هذه القيم متعلقة بالمسائل الاقتصادية، أو القضايا الاجتماعية، أو السياسات الخارجية، وما إلى ذلك. علاوة على ذلك، يتأثر الناخبون بالمعلومات والدعاية التي يتلقونها.
وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هي وسائط تربوية تلعب دورًا هامًا في نشر المعلومات والرسائل.
ويمكن للناخبين الحصول على معلومات حول المرشحين وبرامجهم الانتخابية وآرائهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
ومع ذلك، يجب على الناخبين أن يكونوا حذرين ويقيموا المعلومات بشكل نقدي، حيث يمكن أن يكون هناك مبالغات أو تشويه للحقائق أو تناقضات في هذه الرسائل الإعلامية التي تصدر عن بعض المؤسسات الإعلامية أو الوسائط البديلة لها
والعوامل الاجتماعية أيضًا ف تؤثر الانتخابات الرئاسية.
يمكن أن تكون الانتماءات الاجتماعية مثل الطبقة الاجتماعية والعمر والمستوى الثقافي عوامل تؤثر في اتجاهات الناخبين.
تتميز المجتمعات المختلفة بمصالح وأولويات مختلفة، وينعكس هذا على اختيارات أهلها وسكانها في الانتخابات؛ حيث يكون – لهم – توجهات انتخابية مشتركة
إن الانتخابات عملية مهمة في المجتمعات الديمقراطية أو التي تسعى للمزيد من الديمقراطية، وتتطلب هذه العملية قيماً ومبادئ يجب أن يسعى الوالدان في تربية أبنائهم ، والمدرسة والجامعة في تربية تلاميذهم وطلابهم وتعليمهم ما قبل الجامعة وفي الجامعة – يسعون جميعهم إلى غرسها ، وإكسابها وتنمية للأبناء والمتعلمين لجميع الأجيال : الحالية التي تشارك في الانتخابات، والمستقبلية التي تشارك في أي انتخابات قادمة.
إن توفر هذه القيم يضمن لأية انتخابات أن تتم بشكل عادل وشفاف، ومن هذه القيم التربوية ما يلي:
- الحرص على الشفافية في أي عمل : إن الانتخابات يجب أن تكون شفافة ومفتوحة للجميع. يجب على الناخبين والمرشحين والجهات الرقابية ووسائل الإعلام أن يتمكنوا من مراقبة العملية والتأكد من نزاهتها.
- المساواة في أي تعامل يقوم به : فلا يقبل أن يشارك في أي عمل فيه تمييز . في الانتخابات يجب أن يتمتع جميع المواطنين بحق التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية، ويجب أن يكون لكل فرد صوت واحد واحترام إرادته.
- الحرية: حيث يجب أن نربي ابناءنا أن يكون أحراراً دون ضرر لآخرين ، وأن نعلم طلابنا كيف يكونون كذلك ، ويحرصون على حرية الآخرين في أفعالهم وأقوالهم دون أن يتعدوا قانون أو قاعدة أو عادات وتقاليد . في الانتخابات يكون للناخبين حرية الاختيار بين المرشحين المختلفين، ويجب أن تكون هناك حرية التعبير والتجمع .
- النزاهة: يجب نربي ابناءنا عليها، ونعلمهم الالتزام بها، وأن يرفضون أي خداع أو تلاعب أو فساد في أي عمل . الانتخابات يجب أن تتم بنزاهة وبدون فساد. يجب أن يتم التعامل مع جميع الأصوات بمساواة وعدم التلاعب في النتائج أو تزويرها.
- المسؤولية: علينا أن نعود ابناءنا منذ الصغر على تحمل المسؤولية ، وعلى حسن القول والعمل ، وعلى الالتزام بالأخلاقيات والعادات والتقاليد . عند يكبرون يتحملون مسؤولية تأمين بيئة عادلة وحسن سلوك في فعاليات الانتخابات. يجب أن يلتزمون – كما يطالبون غيرهم – بالمعايير الأخلاقية العالية والقوانين المنصوص عليها.
- المشاركة: علينا أن نربي ابناءنا ونعلم طلابنا المبادرة إلى أفعال الخير ، ومشاركة الآخرين ، والتعاون والتواصل وعدم الانعزال . في الانتخابات من المهم أن يشعر كل منا بأن صوته مهم وأن مشاركته في الانتخابات لها أهمية. يجب أن تكون هناك جهود للتشجيع على هذه المشاركة الفاعلة.
هذه هي بعض الأبعاد التربوية، والقيم والمبادئ الأساسية التي يجب تنشئة أبنائنا عليها، وتربية وتعليمهم اكتسابها، والتمسك بها ، وترقيتها في شخصياتهم : ظاهرها ، وباطنها حتى تكون ضمن أنساق شخصياتهم، وبالتالي نضمن أن تكون مشاركاتهم في الانتخابات قائمة على تربية تحقق لهذه العملية ديمقراطية عادلة وشفافة. والله المستعان
أ.د. محمد رجب فضل الله – تربويات الانتخابات
العريش في 4 / 12 / 2023م.