مسجد الكتبية: رحلة في التاريخ والفن والمخطوطات النادرة
مسجد الكتبية هو أحد أشهر المعالم الدينية والثقافية في مدينة مراكش، المغرب. يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، عندما كانت الدولة الموحدية تحكم شمال أفريقيا والأندلس. يتميز المسجد بعمارته الفريدة والمبتكرة، التي تجمع بين الطرازات المغربية والأندلسية والفاطمية. كما يحتوي المسجد على صومعة عالية ومزخرفة، ومنبر خشبي رائع، وقبب ملونة ومنقوشة. يعتبر مسجد الكتبية رمزا للحضارة الإسلامية في المغرب، ومكانا للعبادة والتعليم والشورى.
تاريخ مسجد الكتبية
بني مسجد الكتبية على مرحلتين، الأولى في عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي الكومي، الذي أمر بتشييده في سنة 1147 ميلادية، على أنقاض قصر الحجر المرابطي، الذي كان مقرا للخليفة المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين، مؤسس مدينة مراكش. وهدم عبد المؤمن أيضا المسجد الذي كان أسفل المدينة، والذي بناه علي بن يوسف. وكان المسجد الأول صغيرا وبسيطا، ولم يكن يتسع إلا لعدد قليل من المصلين.
المرحلة الثانية في بناء المسجد كانت في سنة 1158 ميلادية، عندما قام عبد المؤمن بتوسيع المسجد وإضافة قاعة للصلاة مستطيلة الشكل، تضم سبعة عشر رواقا موجهة بشكل عمودي نحو القبلة. وكان هذا التصميم مستوحى من جامع القرويين في فاس، وجامع تينمل في جبال الأطلس، واللذين بناهما الموحدون أيضا. ويشكل التقاء رواق القبلة بقببه الخمسة والرواق المحوري تصميما وفيا لخصائص العمارة الدينية الموحدية، التي كانت تؤثر في مختلف أرجاء الغرب الإسلامي.
أما صومعة المسجد، فقد بدأ بناؤها في عهد عبد المؤمن أيضا، على غرار صومعتي الرباط وإشبيلية، ولكن لم يتم إنهاؤها إلا في عهد حفيده يعقوب المنصور، الذي أضاف إليها الزخارف الخزفية والنقوش الهندسية والنباتية والكتابية. وتعتبر صومعة الكتبية أعلى صومعة في المغرب، حيث تبلغ ارتفاعها 77 مترا، ويمكن رؤيتها من بعيد.
معالم الجامع
من أبرز معالم مسجد الكتبية هو منبره الخشبي، الذي يعتبر من روائع فن النجارة الإسلامية. وقد صنع هذا المنبر في قرطبة في بداية القرن الثاني عشر، بأمر من الخليفة المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين. ليوضع في المسجد الذي بناه في مراكش. ولكن عندما هدم عبد المؤمن المسجد القديم، نقل المنبر إلى الكتبية في سنة 1150 ميلادية. ويتميز المنبر بأنه مزود بنظام آلي للحركة، يمكن من إخراجه وإدخاله بسهولة. ويزين المنبر نقوش ورسومات من الخشب المحفور والمطعم بالعاج والنحاس والفضة والذهب، تمثل زخارف هندسية ونباتية وحيوانية وكتابية.
من معالم المسجد أيضا هو ميضأة الكتبية. وهي مكتبة عامة تضم مجموعة من المخطوطات النادرة والقيمة. التي تعود إلى العصور الوسطى والحديثة. وتحتوي المكتبة على أكثر من 4000 مخطوطة. تتناول موضوعات مختلفة، مثل الفقه والتفسير والحديث والتاريخ والطب والفلسفة والرياضيات والفلك والجغرافيا والشعر والأدب. وتم تأسيس المكتبة في سنة 2016، بمبادرة من مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقدماء العسكريين. وبدعم من وزارة الثقافة والاتصال المغربية، وبتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. وتهدف المكتبة إلى حفظ وترميم وتوثيق ونشر المخطوطات، وجعلها متاحة للباحثين والزوار.