تاريخ ومزارات

باندة عاكف امسيك الغرياني في ليبيا

كتب – عمر محمد

من منا لا يذكر باندة عاكف امسيك التى جندها المحتل الإيطالي لتكون عونه فى السيطرة على برقة، وتنفيذ اجندة الإحتلال بحذافيرها. عرفت هذه الباندة بقسوتها في تعاملها مع الاهالي.

وحسب صالح عبدالله مؤرخ في شؤون القبائل حيث كان جل اعضائها من الطرابلسيين المتعاونيين مع المحتل، الذين باعوا وطنهم وشعبهم ودينهم وكرامتهم مقابل ليرات ايطالية وثناء العدو، وليمارسوا ساديتهم على اخوتهم فى الوطن! لقد غيروا حتى دينهم ووضعوا قلادة الصليب فى اعناقهم. تم تشكيل هذه الباندة “او العصابة” كالعادة من الطرابلسيين، وتجهيزها وتسليحها من قبل الطليان (والتي كانت تسمى الكتيبة السابعة من الخيالة الليبيين – الصواري)، حيث قدر عدده بـ 14000 ليبي. ووضعوا على راس قيادتها عاكف امسيك الغرياني، الذي اظهر استعداده لاداء المهمة وتنفيذها بالصورة المطلوبة، لدرجة عرفت معها تلك العصابات باسمه “باندة عاكف”، وذاعت شهرتها السيئة بهذا الاسم. كما عرفت ايضا عند اهالي برقة باسم “الفتاشة” و”فرقة بوحبلة”، والحبلة بالعامية تعنى العصا الغليظة التي كانوا يضربون بها ضحاياهم عندما لا تكون ثمة حاجة لاستعمال الاسلحة النارية! تحدث قراتزياني عنها في كتابه “برقة المهدأة” ومدح اخلاص عاكف للحكومة الايطالية! ومن الطرائف التي تحكى عن كبار السن من مشائخ برقة الذين عاصروا تلك الحقبة المشينة: عندما استعصى على باندة عاكف السيطرة خصوصا في المناطق الجبلية الكثيرة الغابات قال عاكف امسيك للايطاليين “لو كان اتنحوا الكراديم والغثر نكمشوهم كمش”، أي المعنى من كلامهم لو كان من الممكن تنحيت الجبال والغابات نقبض على المجاهدين جميعا. شاركة عصابة عاكف مسيك الغرياني ورمضان القريتلي في معركة وادي بوطاقة التي وقعت قرب منطقة سلنطة في 11 سبتمبر 1931 والتي تم فيها اسر المجاهد عمر المختار. ايضا قتلت هذه الباندة خليفة عمر المختار المجاهد يوسف بورحيل المسماري وقطعت رأسه واصبحت تردد: “اشبح يا بودور غزير *** باندة عاكف وايش تدير!” شاركة الباندة ايضا في التمشيط عن الاسلحة والمجاهدين من منطقة الساحل الى ان وصلت منطقه بطة شمال شرق مدينة المرج حيث تم سحق عدد كبير من افرادها هناك، وتم دفنهم في مقبرة سميت بجبانة الغرابة، تحتوي على اكثر من 40 قبر للخونة. عندما زارا معمر القذافي قرية بطة عام 1981 قام بتكريم كبار شيوخ بيت دغار من قبيلة الدرسة التي تصدت لهذه الباندة، وقال اثناء زيارته للمقبرة: “عاكف جد (والد أم) عبدالمجيد القعود (الوزير ورئيس الوزراء)”.

عند انسحاب بريطانيا من برقة بعد ان سيطرة المانيا عليها، عادة برقة من جديد للمحتل الايطالي، فجندت ايطاليا حملة عسكرية كبيرة مدعومة بالباندات الطرابلسية للمساعدة الايطاليين على احكام سيطرتهم على برقة. لقد كان ظاهر باندة عاكف البحث عن الاسلحة التي اصبحت في حوزة الاهلي عند انسحاب الطليان وسيطرة الجيش البريطاني على برقة، وكان باطنها الانتقام والعقاب للسكان على ما فعلوه بالايطاليين في فترة انسحابهم. ارتكبت هذه الباندة اعمالاً وحشية يندى لها الجبين. وظلت تعيث فسادا في برقة، لدرجة انها فاقت وحشية الايطاليين انفسهم! في نوفمبر 1942 حقق الجيش الثامن البريطاني بقيادة مونتوغمري انتصاره على المانيا في معركة العلمين، واضطر رومل الى الانسحاب بفيلقه الافريقي غرباً تحت ضربات الجيش الثامن. وهكذا سقطت برقة وطرابلس الغرب في قبضة القوات البريطانية، اما فزان فقد قام باحتلالها في نفس الفترة الجنرال الفرنسي لكليرك زاحفا اليها من تشاد. هرب الايطاليين ووصلوا إلى ايطاليا حتى قبل أن تدخل مقدمة الجيش الثامن طرابلس، وتركوا عملاءهم يواجهون مصيرهم البائس الذي يستحقونه دون اكتراث كما هي عادة المحتل دائما بعملائه. ومن بين هؤلاء العملاء، كان عاكف امسيك الغرياني، الذي التقطته المخابرات البريطانية مع عصاته التي يهش بها على الماعز عندما كان متخفيا في زي راعي! ثم اودعته سجن الحصان الابيض قبل ان يتحول الى لونه الاسود، بثمانية وعشرين عاما على وجه الدقة والتحديد. وقد عاش معظم سنوات سجنه بالقسم العاشر الذي يقع في منتصف السجن، بجوار المشنقة والكنيسة الصغيرة التي تحولت إلى مسجد. وظل هناك إلى فترة السنوات الأولى من بداية استقلال ليبيا عام 1951 دون محاكمة، رأفة بالآخرين وبعوائلهم، لأن محاكمته لو عقدت لجـرت إليها الكثيرين. وحين مرض مرضه الاخير، نقل على اثره إلى مستشفى طرابلس المركزي حيث مات هناك بعد عدة ايام، غير ماسوف عليه الا من امثاله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى