دعاء رحيل
مسجد بئر السبع القديم.. هو أحد المعالم التاريخية والثقافية في مدينة بئر السبع، التي تقع في جنوب فلسطين التاريخية. يعود تاريخ بناء المسجد إلى أوائل القرن العشرين، عندما كانت المدينة تحت الحكم العثماني. ويعتبر من أوائل المساجد التي بنيت في منطقة النقب. يتميز المسجد بطراز معماري مستوحى من كنيسة آيا صوفيا في إسطنبول، ويضم قبة بيضاء ومئذنة حجرية نحيلة. يشكل المسجد جزءًا من مجمع متحف النقب للفنون، وهو محاط بمبانٍ أخرى تعود للعصر العثماني، مثل مبنى السرايا ومدرسة أبناء مشايخ بدو بئر السبع وبيت المؤرخ عارف العارف.
تاريخ مسجد بئر السبع
وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد المصري أستاذ التاريخ بجامعة مطروح، بني مسجد بئر السبع القديم عام 1906، تزامنًا مع بناء مدينة بئر السبع بصفتها عاصمة جنوب فلسطين على يد العثمانيين لتكون حلقة وصل بين غزة والخليل. شارك في بناء المسجد سكان مدينة بئر السبع وأبناء القبائل البدوية في تكلفة البناء. حيث تحملوا كل ظروف الصحراء القاسية ومشقة الطريق ليجلبوا حجارته على ظهور الإبل من أنقاض قلعة خَلَصَة القريبة من بئر السَّبع. كان المشروع تحت إشراف قائمقام (حاكم المقاطعة) التركي، والذي استعان بمهندس معماري مسيحي من القدس لإعادة تصميم المسجد، بعد أن لم يرضِه التصميم الأول للمقاول المحلي.
وأضاف أستاذ التاريخ، المسجد كان يستخدم للصلاة والتعليم والتجمعات الاجتماعية لأهالي المدينة والبادية، وكان يشكِّل رمزًا للهوية والانتماء للإسلام. في عام 1934، وصف عارف العارف في كتابه المسجد بأنّه: “غاية في الإتقان من الوجهة الهندسية”.
مصير المسجد بعد قيام إسرائيل
في عام 1948، احتل الجيش الإسرائيلي النقب في عملية يوآف، ومع تهجير معظم سكان بئر السبع لم يستخدم المسجد للصلاة، واستخدم سجنًا ومقرًّا للشرطة، وحوِّل بعدها إلى محكمة صلح حتى العام 1953، حيث تم تحويله إلى ما يسمى “متحف النقب” حتى عام 1991، ليتم إغلاقه ويصبح محيطه مرتعًا لمدمني المخدرات والكحول.
في عام 2002، قدم مركز عدالة التماسًا لمحكمة العدل العليا مطالبًا من خلاله بفتح المسجد من أجل الصلاة، وممارسة الشعائر الدينية. لكنّ المحكمة العليا قرَّرت تحويل المسجد إلى متحف مخصص للحضارة الإسلامية وشعوب الشرق الأوسط. لقي قرار المحكمة قبولًا من بلدية بئر السبع التي عملت على تحويله إلى متحف. وقد أقامت في ساحته عددًا من المهرجانات الغنائية والثقافية.
هذا القرار أثار غضب أهالي المدينة المسلمين الذين يقارب عددهم 9,000 نسمة. بالإضافة إلى بدو النقب عامة الذين أقاموا الوقفات الاحتجاجية وصلوات يوم الجمعة في محيطه تأكيدًا على هوية المسجد. وعلى حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
أهمية المسجد
مسجد بئر السبع القديم هو شاهد على تاريخ وحضارة النقب، وعلى دور المسلمين في بناء وتطوير هذه المنطقة. هو أيضًا رمز للصمود والثبات في وجه التغيرات والانتهاكات التي طالت هذه المدينة. كما هو ميراث ثقافي وديني يستحق المحافظة عليه والاحترام. هو دعوة للتعايش والتفاهم بين شعوب وأديان مختلفة. وهو جزء من هوية فلسطين التاريخية التي لا يستطاع حذفها أو تغييرها.