كيف مزق الله ملك كسرى العظيم؟.. اعرف الحكاية
دعاء رحيل
ملك كسرى.. كسرى هو لقب الأباطرة الفرس الذين حكموا إمبراطورية ساسانية منذ القرن الثالث الميلادي إلى القرن السابع الميلادي. كان أشهرهم وأقواهم كسرى الثاني (590-628 م)، الذي اشتهر بحروبه ضد الإمبراطورية البيزنطية وغزواته في شبه الجزيرة العربية والشام ومصر. كان كسرى يعتبر نفسه ملك الملوك والإله على الأرض، ولكنه تعرض للهزيمة والإذلال على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم. فكيف تم تمزيق ملك كسرى؟
مزق خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سنة 628 م، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خطابات إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام والتبعية له. من بين هؤلاء الملوك كان كسرى، فأرسل إليه خطاباً يقول فيه: “بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَدْعُوكَ بِدَعْوَةِ الْإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تُؤْتَ ضِعْفًا، فَإِنْ تُبْتُ فَإِنَّ لَكَ أَجْرًا مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ تُولّى فإن علىّ بشارة المؤمنين” (رواه الترمذي).
ولكن كسرى لم يستجب لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل استخف بها وغضب منها، فمزق خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعاً صغيرة. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك دعا على كسرى قائلاً: “اللّٰهم مزق ملكه” (رواه البخاري).
مزق أبناؤه ملكه
لم يمض وقت طويل حتى بدأت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتشر في الأرض، وبدأ المسلمون يفتحون بلاداً ويهزمون جيوشاً. وفي الجانب الآخر، بدأ ملك كسرى يتصدع ويتفكك، فقد تمرد عليه أبناؤه وأخواله وجنوده، وقتلوه في قصره، واستولوا على عرشه. فكان أول من تمرد عليه ابنه شرويه، الذي قتل أباه كسرى، وأعلن نفسه ملكاً بعد أن قطع رأس أبيه وأرسله إلى هرمز الخامس، ابن أخي كسرى، الذي كان محتجزاً في سجن. ثم تمرد هرمز على شرويه، وقتله بعد أربعة أشهر من حكمه، وأصبح هو الملك. وثم تمرد على هرمز ابن أخي كسرى، بروذامة، وقتله بعد ستة أشهر من حكمه، وأصبح هو الملك. ثم تمرد على بروذامة ابن أخي كسرى، شاهريار، وقتله بعد خمسة أشهر من حكمه، وأصبح هو الملك. ثم تمرد على شاهريار ابن أخي كسرى، يزديجرد الثالث، وقتله بعد سبعة أشهر من حكمه، وأصبح هو الملك. فكان يزديجرد الثالث آخر ملوك الفرس الساسانيين، فقد انتهى مُلك كسرى بعد ست سنوات من موت كسرى.
مزق المسلمون ملك كسرى
في الوقت الذي كان فيه الملوك الفرس يقتلون بعضهم بعضاً، كان المسلمون يستعدون لفتح بلاد الفرس. ففي سنة 633 م، خرج خالد بن الوليد رضي الله عنه من الشام إلى العراق، وحارب جيش كسرى في معارك عديدة، من أشهرها معارك: الولجة، والحيرة، والقادسية. فانتصر خالد بن الوليد رضي الله عنه في هذه المعارك، وفتح مدينة الحيرة التي كانت عاصمة لحاء لكسرى. ثم خرج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من المدينة إلى العراق، وحارب جيش كسرى في معارك أخرى، من أشهرها معارك: قادسية، والجاماسة، والطيران. فانتصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في هذه المعارك، وفتح مدينة المدائن التي كانت عاصمة كسرى. ثم خرج عمرو بن العاص رضي الله عنه من مصر إلى فارس، وحارب جيش كسرى في معارك أخرى، من أشهرها معارك: نهاوند، وتستر، وسباط. فانتصر عمرو بن العاص رضي الله عنه في هذه المعارك، وفتح مدينة تستر التي كانت مقر إقامة كسرى. وفي هذه المدينة وجد المسلمون كنوز كسرى العظيمة، من ذهب وفضة وجواهر وحلي وثياب وأسلحة وكتب. ومن بين هذه الكنوز كانت سجادة كسرى، التي كانت مصنوعة من الحرير والذهب واللؤلؤ والياقوت، وعليها صورة حديقة جنائن الفردوس. فقسم المسلمون هذه السجادة إلى قطع صغيرة، ووزعوها بينهم. فكان هذا آخر ما تمزق من مُلك كسرى.
فهذه هي قصة كيف تمزق الله ملك كسرى العظيم، الذي ظن أن لا أحد يستطيع أن يقف في وجهه، وأن لا شيء يستطيع أن يزيل عزته. فأظهر الله له أن قدرته فوق قدرته، وأن عزته فوق عزته، وأن حكمته فوق حكمته. فجعل من خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبباً في مزق ملكه، وجعل من أبنائه سبباً في قتل بعضهم بعضاً، وجعل من المسلمين سبباً في فتح بلاده وغنائمه. فالحمد لله رب العالمين.