قبيلة زناتة: جذور ضاربة في تاريخ المغرب العربي
أسماء صبحي – تعد قبيلة زناتة واحدة من أبرز القبائل التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ بلاد المغرب العربي. فهي ليست مجرد قبيلة تقليدية عاشت على هامش الأحداث بل كانت عنصرًا مؤثرًا في تشكيل الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، ولها حضور ممتد من المغرب الأقصى حتى ليبيا. وعبر القرون، ساهمت زناتة في صناعة تاريخ مليء بالصراعات والتحالفات. كما تركت بصمة واضحة على الهوية الثقافية واللغوية لشعوب شمال أفريقيا.
أصول قبيلة زناتة
ترجع أصول زناتة إلى الجذور الأمازيغية حيث تصنف ضمن القبائل الأمازيغية الكبرى التي امتدت عبر شمال أفريقيا. وقد ارتبط اسمها في الروايات الشعبية والتاريخية بالقوة العسكرية والتنظيم الاجتماعي الذي مكنها من لعب أدوار قيادية في فترات مختلفة. وبعض المصادر التاريخية القديمة أشار إلى أن زناتة كانت قبيلة رحّالة في البداية قبل أن تستقر تدريجيًا في مناطق مختلفة. وهو ما منحها مرونة في التكيف مع التغيرات السياسية والجغرافية.
الجغرافيا والانتشار
انتشرت القبيلة على رقعة واسعة من بلاد المغرب العربي حيث توزعت بطونها في المغرب، الجزائر، تونس وليبيا. ومن بين أبرز فروعها المغراوة، بني يفرن، وجيراوة. في ليبيا، استقر بعض أبنائها في منطقة الجفارة. وأسسوا إمارات محلية مثل إمارة بني خزرون التي حكمت طرابلس لفترة طويلة. أما في المغرب الأقصى فقد امتد نفوذ المغراوة والمرينيين وهما من بطون زناتة ليصل إلى حد تأسيس دول قوية نافست على زعامة المنطقة.
الدور السياسي والعسكري
كان لزناتة تأثير بالغ في مجريات السياسة المغاربية عبر القرون. فقد عرفت القبيلة بقدرتها على تنظيم الجيوش وخوض المعارك. وهو ما جعلها لاعبًا أساسيًا في الصراعات التي شهدتها المنطقة بين القوى المحلية والدول الكبرى مثل الفاطميين والمرابطين والموحدين. وتمكنت بعض بطون زناتة من تأسيس دول قوية أبرزها دولة المرينيين في المغرب ودولة الزيانيين في تلمسان بالجزائر، وبني يفرن الذين لعبوا أدوارًا حاسمة في القرن العاشر الميلادي.
الثقافة والهوية
من الناحية الثقافية، مثلت زناتة حالة فريدة من التداخل بين الهوية الأمازيغية واللغة العربية والدين الإسلامي. فبعد دخول الإسلام إلى شمال أفريقيا.سرعان ما تبنّت القبيلة التعاليم الإسلامية. وأصبحت جزءًا من العالم العربي الإسلامي مع حفاظها على جذورها الأمازيغية. وقد أسهم هذا التداخل في تكوين هوية مركبة تجمع بين الخصوصية المحلية والانتماء الأوسع إلى الحضارة الإسلامية.
الترحال والاقتصاد
اعتمدت زناتة في بداياتها على الترحال والرعي كمصدر أساسي للعيش متنقلةً بين السهول والجبال والصحارى. ومع مرور الوقت ومع استقرار بعض فروعها في المدن والواحات انخرطت في التجارة والزراعة. وأسهمت في حركة المبادلات التجارية عبر الصحراء الكبرى مما جعلها حلقة وصل مهمة بين شمال أفريقيا وبلاد السودان.
التحديات والانقسامات
رغم قوتها، لم تسلم قبيلة زناتة من الانقسامات الداخلية والصراعات بين بطونها. فقد أدى التنافس بين فروعها المختلفة إلى إضعاف وحدتها أحيانًا وهو ما استغلته القوى الأخرى لتعزيز نفوذها. كما أن طبيعة الترحال أحيانًا جعلت من الصعب على القبيلة تأسيس كيان سياسي مركزي طويل الأمد، على الرغم من نجاح بعض بطونها في تأسيس دول قوية لقرون.
ويقول الدكتور أحمد المعموري، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الجزائر، إن قبيلة زناتة تمثل نموذجًا فريدًا للتفاعل بين الهوية الأمازيغية والانتماء الإسلامي العربي. لقد استطاعت أن توازن بين خصوصيتها المحلية ومتطلبات الاندماج في المحيط السياسي والديني للمنطقة. غير أن الانقسامات الداخلية كانت دائمًا تحديًا أمامها.مما حال دون بقاء دولها قوية لفترات طويلة..ومع ذلك فإن بصمتها لا تزال واضحة في التاريخ والذاكرة الجماعية لشعوب المغرب العربي.



