الأميرلاي مصطفى حافظ.. رجل الظل الذي زرع الرعب في قلب إسرائيل
أسماء صبحي
كان الأميرلاي (عميد) مصطفى حافظ مسئولًا عن عمليات التجسس داخل إسرائيل، وتدريب الفدائيين في فلسطين. وقد أظهر تميزاً ملحوظاً جعل من الرئيس جمال عبد الناصر يرقيه استثنائيًّا حتى وصل إلى رتبة اميرالاي.
تقلد منصب مدير المخابرات في الخمسينيّات، وأنشأ كتيبة من الفدائيين لمواجهة الوحدة الإسرائيليّة 101 بقيادة آرئيل شارون، والتي كانت تغير على قرى فلسطينيّة.
من هو مصطفى حافظ
مصطفى حافظ اسم يعرفه الكثير من الفلسطينيين، بعضهم عايشه وعمل معه وبعضهم سمع عن مآثره وبطولاته. والكثيرون من أبناء الجيل الجديد عرفوه اسما لإحدى مدارس مدينة خانيونس ولشارع في مدينة غزة وبطلًا للقصص التي يرويها الأجداد.
ولد في مدينة الإسكندرية واستطاع أن ينحت بدمه اسما لامعاً في تاريخ النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال مشاركته في حرب 48. ثم عمله كمسؤول عن المخابرات المصرية في قطاع غزة منذ نهاية حرب فلسطين وحتى عام 1956. حيث كانت مهمته إدارة كافة عمليات التجسس داخل إسرائيل، وتجنيد العملاء لمعرفة ما يجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه.
وقد قام بهذه المهمة بمهارة وقدرة عقلية كبيرة أعترف بها العدو قبل الصديق. وهو ما جعله يحظى بثقة الرئيس جمال عبد الناصر فمنحه أكثر من رتبة استثنائية حتى أصبح اميرالاي وعمره لا يزيد على 34 سنة.
كتيبة الفدائيين
وفي عام 1955 أصبح مسؤولا عن كتيبة الفدائيين التي أنشئت لمواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام ارئيل شارون. للإغارة على القرى الفلسطينية لزرع الرعب والخوف والموت في جنباتها والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الإسرائيليين.
وعمل مصطفى حافظ بكل جهد و إخلاص لتكوين كتيبة الفدائيين وتدريبهم للقيام بعمليات نوعية خلف خطوط العدو. وإلى جانب المتطوعين للعمل الفدائي، وقام حافظ بتجنيد عددٍ من المدنيين الذين عليهم قضايا جنائية. وكان شرط خروجهم من السجن هو المشاركة بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
وأهتم بشكل خاص بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين على الجبهة السورية من خلال الملحق العسكري في السفارة المصرية بعمان صلاح مصطفىظ مما أدى لتطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيون داخل إسرائيل حتى وصل المعدل إلى أكثر من عملية يومياً. اخترقت مناطق في العمق الصهيوني كاللد و تل أبيب و غيرهما من المدن الكبرى.
ونفذت بعض هذه العمليات في مستوطنات في شمال (إسرائيل) مثل مستوطنة (ريشون لتسيون) بالقرب من تل أبيب. و المقامة على أراضي قرية (عيون قارة الفلسطينية)، مما جعل الدولة العبرية تضع اسم مصطفى حافظ في قمة قائمة الاغتيالات. و تجند في سبيل ذلك كل إمكانيات أجهزتها الأمنية الداخلية و الخارجية.
محاولات اغتيال
وفي هذا الإطار استطاع مصطفى حافظ أن ينجوا من العديد من محاولات الاغتيال. و التي بدأتها الوحدة 101 التي كان يقودها شارون في ذلك الوقت والتي أوكل إليها تصفية (الرجل الظل) . وهو اللقب الذي أطلقته المخابرات الإسرائيلية على مصطفى حافظ.
ففي أوائل عام 1956 دخل أفراد من الوحدة (101) إلى بيته و نسفوا باب البيت و لكنهم لم يجدوا أحداً لأن مصطفى حافظ أيضاً بدا هو الآخر يلعب لعبته مع الموساد. فجعلهم يراقبون طيلة الوقت شخصاً آخر و منزلاً آخر هو الذي تم اقتحامه.
وبعد فشل مهمة الوحدة (101)، صدرت الأوامر لمجموعة من أمهر الضباط في المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عملية اغتيال حافظ. وشاركت هذه المجموعة في وضع العديد من الخطط وتنفيذها ضد (الرجل الظل) ولكنها باءت بالفشل. ومن هذه الخطط عملية إنزال بحري على شواطئ غزة ، ولكن حافظ استطاع تضليل فرقة الاغتيال ونجا بأعجوبة.
و اعترفت هذه المجموعة من الضباط الإسرائيليين بأنهم كانوا يعانون من توبيخ ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت. و من القائد العسكري الإسرائيلي موشي ديان بسبب الفشل المستمر في اقتناص مصطفى حافظ . وعلى حد قول أحد أفراد هذه المجموعة فأنه كان من السهل التحدث إلى يهوه (الله باللغه العبريه) في السماء عن التحدث مع موشى ديان عن براعة مصطفى حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل. ورجوع رجاله سالمين إلى غزة وقد خلفوا وراءهم فزعا ورعبا ورغبة متزايدة في الهجرة منها.
اغتيال مصطفى حافظ
وكان الحل الوحيد أمام الأجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفى حافظ مهما كان الثمن. رصدت في سبيل ذلك مبلغ ضخم في ذلك الزمان و هو مليون دولار. و بعد جهد جهيد اتفق ضباط المخابرات الإسرائيلية على تصفية مصطفى حافظ بعبوة ناسفة بعد أن فشلت كل الطرق الأخرى لاغتياله.
واستغلت المخابرات الإسرائيلية أحد الفدائيين الذين وقعوا في الأسر وكان في الأصل من السجناء الجنائيين الذين أفرج عنهم للعمل في كتيبة الفدائيين وساومته على الإفراج عنه في مقابل أن يكون عميل مزدوج لحمل طرد ملغوم بعد عملية تمويه كبيرة ليضمنوا أن يصل الطرد مباشرة لحافظ. حيث لم يكن العميل يعرف أن الطرد ملغوم بل أوهموه أنه يحتوي على كتاب للشفرة مرسل لقائد الشرطة في غزة حيث أفهموا العميل أنه يعمل معهم .
و كان ضباط المخابرات الإسرائيلية متأكدين أن العميل سيذهب بالطرد مباشرة لحافظ ليثبت له أخلاصة له. وحسب ما جاء في تقرير لجنة التحقيق المصرية التي تقصت وفاة مصطفى حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر. فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفى حافظ على كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة. وكان يتحدث مع أحد رجاله وفي نفس الوقت وصل إليهم العميل الذي كان يعرفه حافظ لأنه سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في إسرائيل.
وروى العميل له ما عرفه عن قائد الشرطة وهو ما أزعجة بخاصة أن بعض الشكوك أثيرت حوله. أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلى قائد الشرطة، لكنه بمجرد أن فتح الغلاف سقطت على الأرض قصاصة ورق انحنى لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار. وفي تمام الساعة الخامسة صباح اليوم التالي استشهد مصطفى حافظ متأثرا بجراحه، و أصيب أحد ضباطه بإعاقة مستديمة بينما فقد العميل بصره. وأعتقل قائد الشرطة لكن لم يعثروا في بيته على ما يدينه.
وفي صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام خبرا عابرا يقول: قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة. وقد نقل جثمانه إلى العريش ومن هناك نقل جوا إلى القاهرة على الفور. لم ينس الخبر أن يذكر أنه كان من أبطال حرب فلسطين وقاتل من أجل تحريرها، لكنه تجاهل تماما انه كان أول رجل يزرع الرعب في قلب إسرائيل.
و بالرغم من استشهاد مصطفي حافظ إلا أن الإسرائيليين ظلوا يطاردون كل ذكرى له على أرض فلسطين لما مثله من رمز للنضال ضد الاحتلال. فبعد هزيمة يونيو 1967 و احتلال قطاع غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيم نصب تذكاري أقامه الفلسطينيون لإحياء ذكراه. وكانوا يحطمون صوره التي كانت منتشرة في الشوارع و المنازل والمقاهي
وهو ما دفع الفلسطينيون لإخفاء هذه الصور ودفنها في الأرض، لتبقى صورة الشهيد مصطفى حافظ في قلب الأرض التي دفع من أجلها أغلى ما يملك حياته.