كافور الأخشيدي.. الأستاذ “الحجر الأسود” الذي حكم مصر
أسماء صبحي
كافور العبد الحبشي الذى قال عنه الفاطميين: (لن نستطيع فتح مصر قبل زوال الحجر الأسود ). إنه أبو المسك كافور كافور الأخشيدي أحد حكام الدولة الأخشيدية في مصر وسوريا. جاء لمصر مع من جلبوا إليها من عبيد يباعون في أسواقها من السودان أو النوبة وهو بين العاشرة والرابعة عشرة.
كان كافور اسودا دميماً قبيح الشكل مثقوب الشفة السفلي مشوه القدمين بطيئاً ثقيل القدم. ولكنه كان يملك نفساً كبيرة ويحمل بين جوانحه قلباً كبيرا.
يروى عن كافور وقت أن جلب إلى سوق النخاسة أنه مر ذات يوم بسوق من الأسواق بصحبة عبد مثله. وسارا معاً يتطلعان فقال له صاحبه : “أتمني لو اشتراني طباخ فأعيش عمري شبعان بما أصيب من مطبخه”. ولكن أبا المسك قال: “أتمني أن أملك هذه المدينة”.
بيع كافور الأخشيدي في سوق النخاسة
بيع كافور لأحد تجار الزيوت ليعمل فى معصرتة مستخدما قدميه فى عمل شاق لا ينتهي ليفترش الأرض متمرغاً في زيتها بلا نهاية دونما رحمة من سيده الذى سخره فيما يحتمل ولا يحتمل.
بعد عدة سنوات قرر تاجر الزيوت أن يتخلص من كافور فباعه لمحمود بن وهب بن عباس الكاتب. الذي علمه وفتح له طريقا للقراءة والكتابة .
كام كافور فى موعد مع القدر الذى تبسم له بعدطول انتظار، فحدث أن أرسله الكاتب بهدية إلى صديقه محمد بن طغج أحد كبار القادة العسكريين للأمير تكين، أمير مصر وقتها.
طريقه إلى حكم مصر
حين رأه الإخشيد انفتح له قلبه من أول وهلة، فسعي لشراء هذا الصبي الأسود مقابل ثمانية عشرة ديناراً دفعها ثمناً له، فرباه وأحسن تربيته.
فاكتسب كافور ثقة سيده الأخشيد لشدة إخلاصه له ليس طمعا في إرثه أو هداياه وإنما حباً له. فعينه كمشرف على التعاليم الأميرية لأبنائه، ثم جعله من كبار قواده لما يمتلكه من حسن التدبير والحزم ثم ما لبث أن أطلق سراحه.
تولى محمد بن طغج الاخشيدى ولاية مصر عام 323 هـ مكافأة له على نجاحه في صد محاولة الفاطميين الأولى لغزو مصر سن 321 هـ .
مات محمد بن طغج الإخشيد بدمشق سنة 334 هـ / 946 م أثناء إحدي غزواته ضد الدولة الحمدانية. ونقل إلى بيت المقدس و دفن بها، بعدما أوصى لابنه أبو القاسم انجور الذي لم يتعد الخامسة عشره من عمره بالخلافة. ونظراً لصغر سنه تولى كافور الوصايه ليصبح الحاكم الفعلي لمصر منذ 946 محافظاً على ممتلكات الدولة الاخشيدية.
اختفاء انجور
تقول الروايات إن نجم انجور قد اختفى سريعا لأن كافور لم يتيح له الفرصة كي يمرن نفسه على الحكم. ولم يكن ليدعه يظهر للناس حتي لا يعرفونه، ليسطع نجم كافور الذي دعا له الخطباء على المنابر دون أونوجور ، فملك كافور السلطة والمال في يده.
ضاق الأمر بأونوجور فترك العاصمة وادعى بأنه سيخرج للهو والصيد ولكنه اتجه إلى ناحية الرملة بأرض فلسطين. وفي قرارة نفسه ونيته انتزاع ما سُلب من ملكه ولكن والدة أنجور حذرته من عواقب هذا الأمر لأن ما في خزائن ابنها لا يكفي. فهو شئ قليل لا يكاد أن يكفي ماهم طامعون فيه، فحذرت ابنها من مغبة الهزيمة. ورأت في الوقوف إلى جانب أبي المسك مزية ومكسباً لأسرتها .
أرسل كافور لانجور ليطيب خاطره ويسترضيه ويمنيه بالملك، ولكن الملك الصغير كان قد نسي مسألة الملك وقنع بما يصله من دريهمات قليلة. ؤمات أونوجور عن عمر يناهز الثلاثين عاماً وقيل أن كافور دس له السم ليستريح منه وليزيحه من طريقه.
بعد وفاة أنجور تولى الحكم أخوه علي بن الإخشيد الذي كانت نفسه تمتلئ رعباً من سطوة كافور وشدة بأسه. والذى أخذ يضيق عليه الخناق فلم يتركه يظهر للشعب مما جعل الصبي يتجه الى حياة اللهو تارة والانقطاع للعبادة تارة اخرى. والبحث عن ملكه الضائع أحيانا أخرى مما دفع كافور إلى أن يعجل بموته بعد أن دس له السم أيضاً.
شغل أبا المسك كافور دولة بني الإخشيد قرابة واحداً وعشرين سنة من عمر الدولة الذي امتد حكمها لمصر مدة أربعاً وثلاثين عاماً. متبعًا فى سياستة الخارجية منهج وسياسة محمد بن طغج الإخشيد في الحفاظ على علاقة متوازنة مع كل من العباسيين والفاطميين.
وفاة كافور
واكتسب كافور الذي كني بالاستاذ شعبية بين العلماء والأدباء لما يجزله لهم من العطاء. كما نبغ في عهده كثير من الفقهاء و الأدباء و المؤرخين و الشعراء، ومن أشهرهم أبي الطيب المتنبي. أحد أشهر الشعراء المعاصرين له الذي قام بمدحه. ومع ذلك لم يكافئه أبو المسك بمنصب رفيع ولم يمنحه الهدايا المنشودة فسخر منه وهجاه.
توفى كافور عام 968 م ، فاختار الجند الصبي الصغير أبا الفوارس أحمد بن علي الأخشيد ذو الأحد عشر سنة. وعين الحسين بن عبيد الله بن طغيج و صياً عليه. فاستبد الحسين بالأمر، وأساء معاملة الأهالي حتي سخط الناس عليه.
و أمام هذا الانهيار الكبير في أحوال البلاد، أرسل المعز حملته الثالثة علي مصر بقادة جوهر الصقلي. الذي استطاع هذه المرة أن يفتح مصر سنة 358 هـ/ 969 م، لتسقط الدولة الأخشيدية و لتتحول مصر لدولة فاطمية بعد ان سقط الحجر الأسود.